تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

2 - الاضطراب في تحديد مصدر الخطأ، إذ نسب بعضهم الخطأ إلى سفيان،ونسبه الأخر إلى وكيع،ومن أحل هذا الاضطراب ينبغي أن يطرح التعليل كلياً.

وحديث إنه لم يشر أحد ممن أعلوا الحديث إلى أن سبب ذلك هو ما يتصل بحال عاصم، أو مدىسماع عبد الرحمن من علقمة، فإن إثارة هذا الموضوع للجواب عن علة الحديث تكون عديمة الجدوى، ولا يخدم المناسبة النقدية التي نحن بصددها أن يوسع الكلام حول عاصم ومدى ضبطه وإتقانه، وحول سماع عبد الرحمن من علقمة.

وقد سبق أن ابن المبارك أعلّ كلمة: " لم يرفع يديه إلا في أول مرة " في حديث سفيان، لكونها غير معروفة في أصل حديث عاصم الذي ضبطه ابن إدريس في كتابه، بل إن هذه اللفظة كانت مخالفة لما في الكتاب، كما تعارضت مع كيفية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، إذ كان يرفع اليدين فيها. ومن هنا قال ابن المبارك: " لم يثبت عندي حديث ابن مسعود أنه عليه السلام لم يرفع يديه إلا في أول مرة، يريد به إعلال حديث سفيان عن عاصم، إذ لم يذكر هذه اللفظة أحد من أصحاب عاصم في حديثه هذا إلا سفيان الثوري.

وعليه فسبب تضعيفه لهذا الحديث يعود إلى مخالفة سفيان للواقع الحديثي في رواية عاصم،وليس إلى عاصم ولا إلى علاقة عبد الرحمن مع علقمة، لأنه لم يثر أحد من النقاد ذلك في تعليله، لا ابن المبارك ولا غيره.

(وإن كان ظاهر كلام ابن المبارك قد يتوهم منه أنه لم يقصد بالتعليل حديث سفيان بعينه، حين قال: " لم يثبت عندي حديث ابن مسعود " دون أن يقول: " لم يثبت عندي حديث سفيان " فإنه لم يقصد به سوى ما أوضحه النقاد فيما بعد، ألا وهو تفرد سفيان بما لم يعرف في حديث عاصم. على أن سلسلة السند: " عاصم عن عبد الرحمن عن علقمة عن ابن مسعود " لم تكن مداراً لحديث سفيان فحسب، بل هي مدار رواية ابن إدريس وغيره أيضاً).

هذا وقد رجح النقاد رواية ابن إدريس وغيره على رواية سفيان مع كون هذه الروايات كلها تدور على تلك السلسلة،ولو قصد ابن المبارك تعليل حديث ابن مسعود من جميع طرقه لأطلق التعليل، لكن لم يحدث ذلك، بل جعله مقيداً بمسألة ترك رفع اليدين، حين قال: " لم يثبت عندي حديث ابن مسعود أنه عليه السلام لم يرفع يديه إلا في أول مرة "، إذ لم يرو أحد عن عاصم ما يدل على هذا المعنى سوى سفيان الثوري، وبالتالي فكلام ابن المبارك يكون موجهاً نحو رواية سفيان فحسب.

وبما أن سفيان الثوري قد تفرّد عن عاصم بهذه الكلمة بدلاً من ذكر موضوع " التطبيق"، حتى خالفه ابن إدريس وغيره، اعتبر النقاد أنها وهم منه، ولذا يتعين على من يرد هذا التعليل أن يرتكز على هذه النقطة، وليس على ثقة الراوي واتصال السند.

وأما الإضطراب الذي أثاره الزيلعي في جوابه عن العلة فغير وارد هنا أصلاً؛ لأن ابن القطان الفاسي لم يكن سوى ناقل عن الترمذي قول ابن المبارك، الذي أطلق الوهم في حديث ابن مسعود، دون تحديد مصدر هذا الوهم، غير أن ابن القطان حين نقله اختصر وتصرف في لفظه، وقال: " حديث وكيع لا يصح، وهذا التصرف من ابن القطان في نص ابن المبارك لا يشكل أبداً نقطة اضطراب في إعلال الحديث، بل ينبغي القول إن نقله هذا غير سليم؛ إذ لم ينقل قول ابن المبارك بسياقه.

غير أن الإمام أحمد قال: " هذا لفظ غير لفظ وكيع،وكيع يثبج الحديث (يعني يضطرب في الحديث) لأنه كان يحمل نفسه في حفظ الحديث "،وقال أيضاً: " كان وكيع يقول هذا من قبل نفسي- يعني: ثم لا يعود – "،وكذا نقل عن أبي عبد الرحمن الضرير، قوله: " كان وكيع ربما قال يعني ثم لا يعود "، ولعل هذه النصوص هي المعول عليها لدى ابن القطان حين أضاف الوهم إلى وكيع. هذا وقد نسب الدارقطني الوهم إلى أبي حذيفة كما سبق.

وإن كان هذا يعد اختلافاً حول تحديد صاحب الخطأ، لكن بورود هذه اللفظة: " ثم لا يعود " أو نحوها في رواية ابن المبارك، وأبي حذيفة عن سفيان كما سبق، يترجح قول من قال بأن صاحب هذا الخطأ هو سفيان، على أن هذا الإختلاف حول تحديد مصدر الخطأ يقع عادة من النقاد، بل قد يقع ذلك من ناقد واحد، وهي ظاهرة لا تخفى على من يمارس هذا العلم النقدي،وربما يكون ذلك لفرط اهتمام النقاد ببيان الخطأ أكثر من تحديد صاحبه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير