ـ[أبو محمد الألفى]ــــــــ[21 - 06 - 04, 03:02 ص]ـ
الحمد لله المستعان بتأييده على التوفيق. والصلاة والسلام الأتمان الزاكيان على من هدى وأرشد إلى أقوم طريق. وعلى آله وأصحابه أولى المكرمات والفضائل على التحقيق. وبعد ...
الشيخ الحبيب / عبد الرحمن الفقيه
غمرك الله بالإحسان. وأغدق عليك من مناهل العرفان. وأجزل لك من عطائه الأوفى. ورقاك فى العلم إلى المقام الأعلى.
قلت: ((فقد ذكر بعض أهل العلم: أن البخاري ومسلم لا يخرجان في الأصول للصحابي، الذي ليس له إلا راو واحد.
وكل هؤلاء الرواة الذين ذكر الدارقطني: أن البخاري ومسلم خرجا لهم، مع أنه ليس لهم إلا راو واحد، فإنما خرّج لهم الشيخان في الشواهد فقط، وليس في الأصول)).
وأقول: بادئ ذى بدء. فقد أعجبنى هذا الاحتياط غاية الإعجاب، ووددت لو طالع كلامكم بهذا الاحتراز أكثر الأخوة الفضلاء، إذ لا بأس أن نسند الرأى لأهل العلم، من غير جزمٍ بضرورة الالتزام بصحته، ولا العمل بمقتضاه، فضلاً عن الانتصاب بحمية جامحة لمناصرته، والرد على مخالفيه. فلربما تعاظم رجلٌ أسلسَ للعصبية الممقوتة من نفسه القياد، حتى غلبته على رأيه وصدَّته عن سبيل الرشاد، فأعرض ونأ بجانبه عن قبول الصواب، ونافح عن الأخطاء والأوهام، زعماً منه بأن ذلك من لوازم نصرة الحق ومؤازرته، وتوقير قائله والداعى إليه.
وهذا التقييد المشار إليه ـ لا يخرِّجُ الشيخان لصحابى ليس له إلا راوٍ واحد فى الأصول ـ غير متجه، إذ هو مخالف للاستقراء التام لصنيع الشيخين فى ((صحيحيهما))، سيما فى أكثر الأمثلة المذكورة هاهنا، وغيرها مما حوته تضاعيف ((الصحيحين)). وسبيل الإيضاح والبيان، أن نذكر أمثلةً لما تفرد به كلٌّ منهما، وبيان أنها أصول فى مواردها، وليس كما توهم من لم يمعن النظر فى هذه الموارد:
[أولاً] حديث مرداس الأسلمى لم يرو عنه غير قيس بن أبى حازم (تفرد به البخارى)
أخرجه أبو عبد الله البخارى فى موضعين:
(الأول) فى ((كتاب المغازى)) قال:
بَاب غَزْوَةِ الْحُدَيْبِيَةِ وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى ((لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ))
حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا عيسى ـ يعنى ابن يونس ـ عن إسماعيل ـ يعنى ابن أبى خالد ـ عَنْ قَيْسٍ أَنَّهُ سَمِعَ مِرْدَاسًا الأَسْلَمِيَّ ـ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ ـ يَقُولُ: ((يُقْبَضُ الصَّالِحُونَ الأَوَّلُ فَالأَوَّلُ، وَتَبْقَى حُفَالَةٌ كَحُفَالَةِ التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ، لا يَعْبَأُ اللهُ بِهِمْ شَيْئًا)).
(الثانى) فى ((كتاب الرقاق)) قال:
بَاب ذَهَابِ الصَّالِحِينَ
حدثني يحيى بن حماد ثنا أبو عوانة عن بيان ـ يعنى ابن بشر ـ عن قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ مِرْدَاسٍ الأَسْلَمِيِّ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((يَذْهَبُ الصَّالِحُونَ الأَوَّلُ فَالأَوَّلُ، وَيَبْقَى حُفَالَةٌ كَحُفَالَةِ الشَّعِيرِ أَوِ التَّمْرِ، لا يُبَالِيهِمُ اللهُ بَالَةً)).
وأقول: فهذا حديث مرداس الأسلمى أصل فى كلا البابين، لا ثانى له فيهما، ولا شاهد. وهو ظاهر بيِّن بلا مرية، فى باب ذهاب الصالحين من ((الرقاق)). وعليه، يقال لمن قال بهذا القول الآنف الذكر: فحديث مرداس شاهد لماذا، وليس فى الباب ـ أعنى باب ذهاب الصالحين وبقاء الحفالة ـ سواه؟!!. ولما كان ذلك كذلك اعتمده كل من صنف فى هذا المعنى، ولو ذهبنا نستقصى مصادر تخريجه لطال المقال، وهو مخرج عندى فى ((الكوكب السارى فى وحدان البخارى)).
فإن قيل: لئن كان المقطوع بصحته أن حديث مرداس الأسلمى أصلاً فى بابه، فهل له شواهد من حديث غيره من الصحابة؟.
قلنا: نعم، له شواهد فى غير ((الصحيح)) من أحاديث: المستورد بن شداد، وابن مسعود موقوفاً، وهو مستغنٍ بصحته عنها.
[ثانياً] حديث أبى سعيد بن المعلى لم يرو عنه غير حفص بن عاصم (تفرد به البخارى)
أخرجه أبو عبد الله البخارى فى أربعة مواضع، ثلاثة منها فى ((كتاب التفسير))، والرابع فى ((فضائل القرآن)):
(الأول) بَابُ مَا جَاءَ فِي فَاتِحَةِ الْكِتَابِ
¥