وأخرجه كذلك الهيثم بن كليب ((المسند))، والخلال ((كرامات الأولياء)) (2)، وأبو نعيم ((أخبار أصبهان)) (1/ 180) والخطيب ((تالى تلخيص المتشابه)) (1/ 248)، وابن عساكر (1/ 292) جميعا من طريق الحسن بن ذكوان به.
قلت: وهذا حديث منكر كما قال الإمام أحمد، وله ثلاث آفات:
(الأولى) عبد الواحد بن قيس، وإن وثقه ابن معين والعجلى وأبو زرعة الدمشقى، لكنه لا يُعتبر برواية الضعفاء عنه. قال أبو حاتم: يكتب حديثه وليس بالقوى. قال البخارى: عبد الواحد بن قيس قال يحيى القطان: كان الحسن بن ذكوان يحدث عنه بعجائب.
وقال ابن حبان فى ((المجروحين)): عبد الواحد بن قيس شيخ يروي عن نافع روى عنه الأوزاعي والحسن بن ذكوان، ممن ينفرد بالمناكير عن المشاهير، فلا يجوز الاحتجاج بما خالف الثقات، فإن اعتبر معتبر بحديثه الذي لم يخالف الأثبات فيه فحسن.
وقال فى ((الثقات)): لا يعتبر بمقاطيعه ولا بمراسيله ولا برواية الضعفاء عنه، وهو الذي يروي عن أبي هريرة ولم يره.
(الثانية) الانقطاع، فإن عبد الواحد بن قيس إنما أدرك عروة ونافع، وروايته عن أبى هريرة مرسلة، كما قال البخارى وابن حبان. فعلى هذا فهو لم يدرك عبادة بن الصامت ولم يره.
(الثالثة) الحسن بن ذكوان يحدث عن عبد الواحد بن قيس بعجائب، كما قال يحيى القطان وعلى بن المدينى والبخارى. وقال ابن معين: كان صاحب أوابد. وقال الأثرم: ((قلت لأبى عبد الله أحمد بن حنبل: ما تقول فى الحسن بن ذكوان؟، قال: أحاديثه أباطيل! يروى عن حبيب بن أبى ثابت ولم يسمع من حبيب، إنما هذه أحاديث عمرو بن خالد الواسطى)).
ولما كان الحسن بن ذكوان موسوماً بالتدليس مشهوراً به، فقد أورد له ابن عدى فى ((كامله)) (5/ 125) أربعة أحاديث دلَّسها عن عمرو بن خالد الواسطى الكذاب الوضاع.
وواحدة من هذا العلل الثلاث تكفى فى الحكم على حديث عبادة بنفى ثبوته فضلا عن صحته، ومنه تعلم أن قول الحافظ الهيثمى ((مجمع الزوائد)) (10/ 62): ((رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح غير عبد الواحد بن قيس، وقد وثقه العجلي وأبو زرعة وضعفه غيرهما))، وأقره السيوطى والمناوى وغيرهما، أبعد شئٍ عن الصواب!!، وذلك لما ذكرناه آنفاً.
وأما قوله الحسن بن ذكوان من رجال الصحيح، فالجواب عنه ما وصفه به الإمام أحمد من التدليس عن الكذابين ورواية الأباطيل. فإن قيل: قد أخرج البخارى له فى ((كتاب المناقب)) من ((صحيحه)) (4/ 139. سندى) قال: حدثنا مسدد حدثنا يحيى ـ يعنى القطان ـ عن الحسن بن ذكوان حدثنا أبو رجاء حدثنا عمران بن حصين عن النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنَ النَّارِ بِشَفَاعَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، يُسَمَّوْنَ الْجَهَنَّمِيِّينَ)).
فربما يكتفى بعضهم بما ذكره الحافظ ابن حجر فى ((هدى السارى)) بقوله: ((والحسن بن ذكوان تكلم فيه أحمد وابن معين وغيرهما، وليس له فى البخارى سوى هذا الحديث برواية القطان عنه مع تعنته فى الرجال، ومع ذلك فهو متابعة))!.
وأقول: وتمام هذا التوجيه وكماله أن نقول:
(1) أن الحسن بن ذكوان قد صرَّح فى الحديث بالسماع، فانتفت تهمة تدليسه.
(2) أن كون الحديث من رواية يحيى القطان عنه، وهو أعرف الناس بما يصح من حديثه، وما ينكر، فهو من صحاح حديثه. وقد قال أبو أحمد بن عدى: ((أن يحيى القطان حدَّث عنه بأحرفٍ، ولم يكن عنده بالقوى)).
ومما يفيده هذا التوجيه: أن انتقاء الصحيح من أحاديث الضعفاء والمجروحين هو مما توافرت عليه همم الجهابذة النقاد أمثال: يحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدى، ويحيى بن معين، والبخارى، وأبى حاتم وغيرهم من أئمة هذا الشأن.
[الطريق الثانية] أوردها ابن كثير ((التفسير)) (1/ 304) من طريق ابن مردويه قال: حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم حدثنا محمد بن جرير بن يزيد حدثنا أبو معاذ نهار بن عثمان الليثي أخبرنا زيد بن الحباب أخبرني عمرو البزار عن عنبسة الخواص عن قتادة عن أبي قلابة عن أبي الأشعث الصنعاني عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الأبدال في أمتي ثلاثون، بهم ترزقون، وبهم تمطرون، وبهم تنصرون))، قال قتادة: إني لأرجو أن يكون الحسن منهم.
قال الحافظ الهيثمى ((مجمع الزوائد)) (10/ 63): ((رواه الطبرانى من طريق عمرو البزار عن عنبسة الخواص، وكلاهما لم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح)).
قلت: ومع جهالة رواته عن قتادة، فقد خولفوا على رفعه. رواه عبد الوهاب بن عطاء الخفاف نا سعيد بن أبى عروبة عن قتادة قال: لن تخلو الأرض من أربعين، بهم يغاث الناس، وبهم تنصرون، كلما مات منهم أحد أبدل الله مكانه رجلاً.
أخرجه هكذا ابن عساكر ((التاريخ)) (1/ 298) من طريق عمران بن محمد الخيزرانى عن عبد الوهاب به.
وتأتى بتوفيق الله وعونه بقية الأحاديث.
¥