ومعلوم أن عليًا ومن معه من الصحابة كانوا أفضل من معاوية ومن معه بالشام، فلا يكون أفضل الناس في عسكر معاوية دون عسكر على، وقد أخرجا في الصحيحين عن أبى سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (تمرق مارقة من الدين على حين فرقة من المسلمين يقتلهم أولى الطائفتين بالحق) وهؤلاء المارقون هم الخوارج الحرورية الذين مرقوا لما حصلت الفرقة بين المسلمين في خلافة على، فقتلهم على بن أبى طالب وأصحابه،
فدل هذا الحديث الصحيح على أن علي /بن أبى طالب أولى بالحق من معاوية وأصحابه، وكيف يكون الأبدال في أدنى العسكرين دون أعلاهما؟
وقال
سئل شيخ الإسلام عن الحديث المروي في الأبدال: هل هو صحيح أم مقطوع؟ وهل (الأبدال) مخصوصون بالشام؟ أم حيث تكون شعائر الإسلام قائمة بالكتاب والسنة يكون بها الأبدال بالشام وغيره من الأقاليم؟ وهل صحيح أن الولي يكون قاعدًا في جماعة ويغيب جسده؟
وما قول السادة العلماء في هذه الأسماء التي تسمى بها أقوام من المنسوبين إلى الدين والفضيلة، ويقولون: هذا غوث الأغواث، وهذا قطب الأقطاب، وهذا قطب العالم، وهذا القطب الكبير، وهذا خاتم الأولياء؟
فأجاب:
أما الأسماء الدائرة على ألسنة كثير من النساك والعامة مثل [الغوث] الذي بمكة، و [
الأوتاد الأربعة] و [الأقطاب السبعة] و [الأبدال الأربعين] و [النجباء الثلاثمائة]: فهذه أسماء ليست موجودة في كتاب الله تعالى؛ ولا هي أيضًا مأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد صحيح، ولا ضعيف يحمل عليه ألفاظ الأبدال.
/فقد روي فيهم حديث شامي منقطع الإسناد عن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن فيهم ـ يعني أهل الشام ـ الأبدال أربعين رجلا، كلما مات رجل أبدل الله تعالى مكانه رجلا)، ولا توجد هذه الأسماء في كلام السلف، كما هي على هذا الترتيب. ولا هي مأثورة على هذا الترتيب والمعاني عن المشائخ المقبولين عند الأمة قبولًا عامًا، وإنما توجد على هذه الصورة عن بعض المتوسطين من المشائخ، وقد قالها إما آثرًا لها عن غيره أو ذاكرًا.
وهذا الجنس ونحوه من علم الدين قد التبس عند أكثر المتأخرين حقه بباطله، فصار فيه من الحق ما يوجب قبوله، ومن الباطل ما يوجب رده، وصار كثير من الناس على طرفي نقيض.
قوم كذبوا به كله لما وجدوا فيه من الباطل.
وقوم صدقوا به كله لما وجدوا فيه من الحق، وإنما الصواب التصديق بالحق والتكذيب بالباطل، وهذا تحقيق لما أخبر به النبي عليه السلام عن ركوب هذه الأمة سنن من قبلها حذو القذة بالقذة.
فإن أهل الكتابين لبسوا الحق بالباطل، وهذا هو التبديل /والتحريف الذي وقع في دينهم، ولهذا يتغير الدين بالتبديل تارة، وبالنسخ أخرى، وهذا الدين لا ينسخ أبدًا لكن يكون فيه من يدخل من التحريف والتبديل والكذب والكتمان ما يلبس به الحق بالباطل، ولا بد أن يقيم الله فيه من تقوم به الحجة خلفًا عن الرسل، فينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، فيحق الله الحق ويبطل الباطل ولو كره المشركون.
فالكتب المنزلة من السماء، والأثارة من العلم المأثورة عن خاتم الأنبياء، يميز الله بها الحق من الباطل، ويحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، وبذلك يتبين أن هذه الأسماء على هذا العدد، والترتيب والطبقات ليست حقًا في كل زمان، بل يجب القطع بأن هذا على عمومه وإطلاقه باطل، فإن المؤمنين يقلون تارة ويكثرون أخرى، ويقل فيهم السابقون المقربون تارة، ويكثرون أخرى، وينتقلون في الأمكنة، وليس من شرط أولياء الله أهل الإيمان والتقوى ومن يدخل فيهم من السابقين المقربين لزوم مكان واحد في جميع الأزمنة، وليس من شرط أولياء الله أهل الإيمان والتقوى ومن يدخل فيهم من السابقين المقربين تعيين العدد.
¥