تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والذين تكلموا باسم البدل فسروه بمعان: منها أنهم أبدال الأنبياء /ومنها أنه كلما مات منهم رجل أبدل الله تعالى مكانه رجلًا، ومنها أنهم أبدلوا السيئات من أخلاقهم وأعمالهم وعقائدهم بحسنات، وهذه الصفات كلها لا تختص بأربعين ولا بأقل ولا بأكثر، ولا تحصر بأهل بقعة من الأرض، وبهذا التحرير يظهر المعنى في اسم (النجباء).

فالغرض أن هذه الأسماء تارة تفسر بمعان باطلة بالكتاب والسنة وإجماع السلف، مثل تفسير بعضهم [الغوث] هو الذي يغيث الله به أهل الأرض في رزقهم ونصرهم، فإن هذا نظير ما تقوله النصارى في الباب وهو معدوم العين والأثر شبيه بحال المنتظر الذي دخل السرداب من نحو أربعمائة وأربعين سنة.

وكذلك من فسر [الأربعين الأبدال] بأن الناس إنما ينصرون ويرزقون بهم فذلك باطل، بل النصر والرزق يحصل بأسباب من آكدها دعاء المؤمنين، وصلاتهم وإخلاصهم، ولايتقيد ذلك لا بأربعين ولا بأقل ولا بأكثر، كما جاء في الحديث المعروف أن سعد بن أبي وقاص قال: يا رسول الله، الرجل يكون حامية القوم، أيسهم له مثل ما يسهم لأضعفهم؟ فقال: (ياسعد، وهل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم بدعائهم وصلاتهم وإخلاصهم).

وقد يكون للرزق والنصر أسباب أخر؛ فإن الفجار والكفار /أيضًا يرزقون وينصرون، وقد يجدب الأرض على المؤمنين ويخيفهم من عدوهم لينيبوا إليه ويتوبوا من ذنوبهم، فيجمع لهم بين غفران الذنوب وتفريج الكروب، وقد يملي للكفار ويرسل السماء عليهم مدرارًا، ويمددهم بأموال وبنين ويستدرجهم من حيث لا يعلمون. إما ليأخذهم في الدنيا أخذ عزيز مقتدر، وإما ليضعف عليهم العذاب في الآخرة، فليس كل إنعام كرامة، ولا كل امتحان عقوبة، قال الله تعالى: {فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ كَلَّا} [الفجر: 15: 17].

وليس في أولياء الله المتقين، ولا عباد الله المخلصين الصالحين، ولا أنبيائه المرسلين، من كان غائب الجسد دائمًا عن أبصار الناس، بل هذا من جنس قول القائلين: إن عليًا في السحاب، وإن محمد ابن الحنفية في جبال رضوى، وإن محمد بن الحسن بسرداب سامري، وإن الحاكم بجبل مصر، وإن الأبدال الأربعين رجال الغيب بجبل لبنان، فكل هذا ونحوه من قول أهل الإفك والبهتان، نعم قد تخرق العادة في حق الشخص، فيغيب تارة عن أبصار الناس إما لدفع عدو عنه، وإما لغير ذلك، وأما أنه يكون هكذا طول عمره فباطل، نعم يكون نور قلبه وهدى فؤاده وما فيه من أسرار الله تعالى وأمانته وأنواره، ومعرفته غيبًا عن أعين الناس، ويكون صلاحه وولايته غيبًا عن /أكثر الناس، فهذا هو الواقع، وأسرار الحق بينه وبين أوليائه، وأكثر الناس لا يعلمون، وقد بينا بطلان اسم الغوث مطلقًا، واندرج في ذلك غوث العجم ومكة والغوث السابع.

وكذلك لفظ (خاتم الأولياء) لفظ باطل لا أصل له، وأول من ذكره محمد بن علي الحكيم الترمذي، وقد انتحله طائفة كل منهم يدعى أنه خاتم الأولياء: كابن حمويه وابن عربي وبعض الشيوخ الضالين بدمشق وغيرها، وكل منهم يدعي أنه أفضل من النبي عليه السلام من بعض الوجوه، إلى غير ذلك من الكفر والبهتان، وكل ذلك طمعًا في رياسة خاتم الأولياء لما فاتتهم رياسة خاتم الأنبياء، وقد غلطوا فإن خاتم الأنبياء إنما كان أفضلهم للأدلة الدالة على ذلك، وليس كذلك خاتم الأولياء، فإن أفضل أولياء هذه الأمة السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، وخير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر رضي الله عنه، ثم عمر رضي الله عنه، ثم عثمان رضي الله عنه، ثم علي رضي الله عنه، وخير قرونها القرن الذي بعث فيه النبي صلى الله عليه وسلم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، وخاتم الأولياء في الحقيقة آخر مؤمن تقي يكون في الناس، وليس ذلك بخير الأولياء، ولا أفضلهم بل خيرهم وأفضلهم أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، ثم عمر: اللذان ما طلعت شمس ولا غربت على أحد بعد النبيين والمرسلين أفضل منهما.

ـ[أبو محمد الألفى]ــــــــ[28 - 06 - 04, 04:26 ص]ـ

الحمد لله الواقى من اتقاه. الهادى من استهداه. والصلاة الزاكية على محمدٍ أكرم خلق الله. وآله وصحبه ومن والاه.

الأخوة الفضلاء.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير