بَلَى، إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَاتٍ وَإِنَّهُ لا ظُلْمَ عَلَيْكَ، فَتُخْرَجُ لَهُ بِطَاقَةٌ فِيهَا: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ مَا هَذِهِ الْبِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلاتِ؟، فَيَقُولُ عزَّ وجلَّ: إِنَّكَ لا تُظْلَمُ، فَتُوضَعُ السِّجِلاتُ فِي كِفَّةٍ وَالْبِطَاقَةُ فِي كِفَّةٍ، فَطَاشَتِ السِّجِلاتُ، وَثَقُلَتِ الْبِطَاقَةُ)).
قال أبو القاسم حمزة بن محمد: ولا أعلمه روى هذا الحديث غير الليث بن سعد، وهو من أحسن الحديث.
وقال الشيخ أبو الحسن ـ يعنى علي بن عمر بن محمد بن حمصة الحرانى ـ: أنا حضرت رجلاً في المجلس، وقد زعق عند هذا الحديث، ومات، وشهدتُ جنازته، وصليتُ عليه.
قلت: هو كما قاله الإمام الحجة أبو القاسم الكنانى؛ من أحسن أحاديث المصريين وأصحِّها وأروعها، والحديث لهم، وسائر أهل الأمصار يروونه عنهم. وهو بهذا الإسناد من عَبْدِ اللهِ بْنَ عَمْرٍو إلي أبى القاسم الكنانى مصرى خالص، رواته كلهم مصريون ثقات عدول، وهو غريب لم يروه عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنَ عَمْرٍو إلا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ، تفرد به عنه عَامِرُ بْنُ يَحْيَى المعَافِرىُّ. ورواه عَنْ عَامِرِ بْنِ يَحْيَى: اللَّيْثُ بْنُ سَعْدِ، وعبد الله بن لهيعة، ولكنه عن الليث أشهر، فقد أقام متنه، وجوَّد ألفاظه، وأتقن سياقته، وأما ابن لهيعة، ففى سياق حديثه ما يُنكر، فكأنه يرويه بعد اختلاطه.
والمعتمد فى صحة الحديث على الحجة الثبت الثقة: الليث بن سعد الفهمى.
وإن شئت، فقارن بين روايته الآنفة الذكر، وبين ما أخرجه الإمام أحمد (2/ 221) قال: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ عَامِرِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((تُوضَعُ الْمَوَازِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُؤْتَى بِالرَّجُلِ، فَيُوضَعُ فِي كِفَّةٍ، فَيُوضَعُ مَا أُحْصِيَ عَلَيْهِ، فَتَمَايَلَ بِهِ الْمِيزَانُ، فَيُبْعَثُ بِهِ إِلَى النَّارِ، قَالَ: فَإِذَا أُدْبِرَ بِهِ، إِذَا صَائِحٌ يَصِيحُ مِنْ عِنْدِ الرَّحْمَنِ، يَقُولُ: لا تَعْجَلُوا لا تَعْجَلُوا، فَإِنَّهُ قَدْ بَقِيَ لَهُ، فَيُؤْتَى بِبِطَاقَةٍ فِيهَا: لا إِلَهَ إِلا اللهُ، فَتُوضَعُ مَعَ الرَّجُلِ فِي كِفَّةٍ، حَتَّى يَمِيلَ بِهِ الْمِيزَانُ)). لا شك أنك واجدٌ بين الروايتين بوناً شاسعاً، ينبئك عن إتقان وضبط وحفظ الليث بن سعد، فقد جوَّده وضبطه وأتقن سياقته، وأبدع ابن لهيعة شيئاً من وهمه الذى خانه بعد اختلاطه وسوء حفظه، فجاء بهذه المعانى المنكرة ((يُوضَعُ الرجلُ فِي كِفَّةٍ)) و ((توضَعُ ـ يعنى البطاقة ـ مَعَ الرَّجُلِ فِي كِفَّةٍ)) و ((حَتَّى يَمِيلَ بِهِ الْمِيزَانُ))!!؛ على خلاف المحفوظ والثابت من معانى الحديث وألفاظه.
وقد رواه عن الليث بن سعد جماعة من أثبات أصحابه، من أهل مصر وغيرهم من محدثى أمصار الإسلام: سعيد بن أبى مريم المصرى، وعبد الله بن المبارك المروزى، وقتيبة بن سعيد القعنبى، ويحيى بن عبد الله بن بكير المصرى.
ولا خلاف بينهم على روايته بهذا التمام كحديث يحيى بن بكير، ويزيدون عليه ((أَظَلَمَكَ كَتَبَتِي الْحَافِظُونَ)). وفى رواية ابن المبارك ((إِنَّ اللهَ سَيُخَلِّصُ رَجُلاً مِنْ أُمَّتِي))، وزاد بآخره ((فَلا يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ اللهِ شَيْءٌ)).
فقد أخرجه كذلك ابن المبارك ((الزهد)) (371)، وأحمد (2/ 213)، والترمذى (2639)، وابن ماجه (4300)، وابن حبان (225)، والحاكم (1/ 710،46)، والبيهقى ((شعب الإيمان)) (1/ 264/283)، والخطيب ((موضح الأوهام)) (2/ 204)، والمزى ((تهذيب الكمال)) (14/ 84)، والذهبى ((معجم المحدثين)) (ص48) من طرق عن الليث بن سعد به.
[لطيفة إسنادية] ومن لطائف رواية هذا الحديث، أن الحافظ الجلال أبا بكرٍ السيوطى رواه بإسنادٍ رواته مصريون كلهم منه إلى عبد الله بن عمرو، فقال فى ((تدريب الراوى)) (2/ 408): قرئ على أم الفضل بنت محمد المصرية وأنا أسمع: شيخ الإسلام أبو حفص البلقيني ومحمد ومريم ولدا أحمد بن إبراهيم سماعا قالوا كلهم: أنا أبو الفتح محمد بن محمد الميدومي أنا أبو عيسى بن علاق أنا أبو القاسم هبة الله بن علي البوصيري ثنا أبو صادق مرشد بن يحيى أنا أبو الحسن علي بن عمر الصواف ثنا أبو القاسم حمزة بن محمد الكنانى أنا عمران بن موسى بن حميد الطبيب ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير حدثني الليث بن سعد عن عَامِرِ بْنِ يَحْيَى المعافري عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِوٍ يَقُولُ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يُصَاحُ بِرَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُءُوسِ الْخَلائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فينشر له تسعة وتسعون سجلا ً ..... )) الحديث.
ثم قال الجلال السيوطى: ((ورجال هذا الإسناد الذي سقناه مني إلى عبد الله بن عمرو كلهم مصريون)).
قلت: وهذه الطريق التى رواه بها السيوطى، هى الطريق إلى رواية كتاب ((جزء البطاقة)) للإمام الحافظ أبى القاسم الكنانى.
[فائدة] إليك نسخة من ((جزء البطاقة)) تصنيف الإمام الحافظ الحجة أبى القاسم حمزة بن محمد بن على بن العباس الكنانى
رواية أبى الحسن علي بن عمر بن محمد الصواف عنه
رواية أبى صادق مرشد بن يحيى بن القاسم بن على عنه
رواية أبى القاسم هبة الله بن علي بن مسعود البوصيري عنه
رواية أبى عيسى عبد الله بن عبد الواحد بن محمد بن عبد الواحد بن علاق عنه
رواية أبى الفتح محمد بن محمد بن إبراهيم الميدومي عنه
¥