((زكريا)) أيضاً، ترجمه الغزي في الكواكب السائرة () فَقَالَ: ((زكريا بن زكريا الشَّيْخ العلاَّمة زين الدين المصري، حفيد شيخ الإسلام قاضي القضاة زكريا الأنصاري))، وكانت وفاته في شوال سنة (959 ه) (). وَكَانَ جده يحبه محبة عظيمة ().
رابعاً: نشأته
كَانَ مولد المترجم في بلده الأول ((سُنَيكة)) فنشأ بِهَا، وابتدأ بحفظ القُرْآن الكريم – عَلَى العادة في بدء التعليم – ودَرَسَ مبادئ الفقه العامة، فقرأ " عمدة الأحكام " وبعض " مختصر التبريزي " في الفقه ()، وما كاد يدخل النصف الثَّانِي من عقد عمره الثَّانِي حَتَّى شدَّ رحاله نَحْو عاصمة العِلْم والعلماء التي كَانَتْ تعج بمظاهره: القاهرة، وسواء كَانَ قَدْ رحل بنفسه إلى القاهرة، أو أن الشَّيْخ ربيع بن عَبْد الله هُوَ الذي سافر بِهِ – كَمَا تقدم -، فَقَدْ ورد المترجم القاهرة ()، ونزل الجامع الأزهر مستوطناً، وهناك أكمل حفظ المختصر الذي بدأ بِهِ في مقتبل عمره ()، ومن ثَمَّ بَدَأَ بحفظ الكُتُب التي وفَّرت لَهُ مبادئ العلوم التي كَانَتْ تدرَّس آنذاك، فحفظ " المنهاج " الفرعي
و" الألفية " النحوية و" الشاطبية " و" الرائية " وبعض " المنهاج " الأصلي ونحو النصف من " ألفية الحَدِيْث " و" التسهيل " إلى باب ((كاد)) ().
وكانتْ تِلْكَ قدمته الأولى إلى القاهرة، وَلَمْ يطل المكث فِيْهَا، وعاد أدراجه إلى بلده ملازماً هناك الجدَّ والاشتغال ().
وبعد مدة من الزمن – نجهل تحديدها – عاود المجيء إلى القاهرة ()، يروم استخراج العِلْم من معادنه، فَدَرَسَ في الفقه: " شرح البهجة "
وغيرها ()، وقرأ في أصول الفقه: " العضد " و " شرح العبري " ()، وقرأ في النحو والصرف، ومما قرأه فِيْهِمَا: " شرح تصريف العزي " ()، وأخذ المعاني والبيان والبديع فقرأ فِيْهَا " المطول " ()، وأخذ المنطق عَنْ عدة مشايخ وقرأ فِيهِ شرح القطب عَلَى
"الشمسية" وأكثر حاشية الشريف الجرجاني عَلَيْهِ، وكذا حاشية التقي الحصني عَلَيْهِ ().
كَمَا أخذ اللغة، والتفسير، وعلم الهيأة، والهندسة، والميقات، والفرائض، والحساب، والجبر، والمقابلة، والطب، والعروض، وعلم الحروف، والتصوف، وتلا بالسبع والثلاثة الزائدة عَلَيْهَا، وقرأ مصنفات ابن الجزري كـ" النشر " و "التقريب"
و " الطيبة "، وأخذ رسوم الخطِّ، وآداب البحث، والحديث ().
وهكذا دأب وانهمك في الطلب والتحصيل، فأجازه مشايخه، وكتب لَهُ بِذَلِكَ كَثِيْر مِنْهُمْ مَعَ الإطناب في المدح والثناء، يزيدون عَلَى مئة وخمسين ()، ومنهم الحافظ ابن حجر العسقلاني إذْ كتب لَهُ في بَعْض إجازاته: ((وأذنت لَهُ أن يقرأ القُرْآن عَلَى الوجه الذي تلقَّاه، ويقدر الفقه عَلَى النمط الذي نص عَلَيْهِ الإمام وارتضاه، والله المسؤول أن يجعلني وإياه، ممن يرجوه ويخشاه إلى أن نلقاه)) ().
وأذن لَهُ في إقراء " شرح النخبة " وغيرها من مصنفاته في حياته، وكذا فعل غَيْر ابن حجر حَتَّى قَالَ العيدروسي: ((وتصدّى للتدريس في حياة غَيْر واحد من
شيوخه)) ().
وهكذا أصبح المترجم من المؤهلين للانضمام إلى ركب العُلَمَاء، وأن يشقَّ طريقه وسطهم.
خامساً: صفاته وأخلاقه
لقد كَانَ الْقَاضِي زكريا بن مُحَمَّد الأنصاري مضرب المثل في وقته في حَسَن الخلق، والتحلي بمكارم الأخلاق وفضائلها، لا يدع باباً إليها إلاَّ دخله، قَالَ العلائي (): ((قَدْ جمع من أنواع العلوم والمعارف والمؤلفات المقبولة ومكارم الأخلاق وحسن السمت والتؤدة والأخذ عَنْ الأكابر مَا لَمْ يجمعه غيره)) ().
ولعل أبرز صفاته التي كَانَ يتحلَّى بِهَا أنه كَانَ حافظاً للجميل شاكراً لصنيع المحسنين إليه، ويدل عَلَى ذَلِكَ –كَمَا مَرَّ– أن الشَّيْخ ربيع بن عَبْد الله كَانَ صاحب الفضل عَلَيْهِ في توجهه إلى طلب العِلْم وسفره إلى القاهرة،فكان ردّ المترجم عَلَى ذَلِكَ أنه: ((إذا ورد عَلَيْهِ الشَّيْخ ربيع أو زوجته أو أحد من أقاربه يجعله في زمن صمدته ومنصبه، وَكَانَ يقضي حوائجهم ويعترف بالفضل لَهُمْ، وربما مازحته زوجة الشَّيْخ ربيع التي
ربَّتْهُ)) ().
¥