وما بقي من طرقٍ للحديث لايعُرَّج عليها أصلاً، كالطريق التي رواها أبو يوسف في ((الخراج)): 216، عندما قال: أخبرني شيخٌ من قريش عن الزهري أن مصر والشام، ثم ساق قصة إعطاء تميم.
وبناءً على ذلك يتبين لنا قيمة هذه الروايات التي لو أردنا أن نستشهد بها على فضيلة أو رغيبة لما أمكننا إثباتها بمثل هذه الأحاديث، ولكني ارتضيت عبارة ابن حجر نظراً لأنَّها عبارة تنفي الوضع والاختلاق عن هذه القصة، أما من حيث الإثبات فإنَّها تعني أدنى درجات الإثبات والتسليم لها، بحيث لو أنَّ شخصاً أنكرها بناءً على هذه الأدلة لما جاز لنا معاتبته، فضلاً عن تكفيره ومحاسبته! وإذا بان هذا وتوضّح يمكننا إدراك مدى الدعاوى والمجازفات التي أطلقها صاحب كتاب ((الصحابي تميم بن أوس الداري وعلاقته بالأرض المقدسة)) ومنها:
1 - : ادعاؤه التواتر في روايات هذا الإقطاع. وقد كرَّر المؤلف هذا الادعاء أكثر من مرَّة حيث قال (ص 45): فالكتاب ما دام روي بطرق مختلفة، ومن مصادر متعددة إذاً فأصبح نقله بالجملة، وبالتالي أصبح متواتراً منذ أن أعطي لتميم وصحبه، ومنذ أن نفَّذه عمر بن الخطاب حتى اليوم. ووضع عنواناً في صفحة رقم (56): الدليل المتواتر على صحة الإنطاء، وذكر عقبه نقلاً عن كتاب الجواب القويم لنجم الدين الغيطي لا علاقة له بالأحاديث أو التواتر.
ودعوى التواتر على مثل هذه الأحاديث لا يطلقها آحاد الطلبة الفاشلين في هذا العلم المبارك، بل لا يمكن أن يتفوَّه بها من درس أياً من علوم الشريعة.
2 - : تكفير من أنكر الإقطاع، والتكفير لفظ كبير يشهره البعض لتخويف الآخرين أو عزلهم، وفي الحقيقة إنَّ التكفير حق لله، فينبغي أن نكفِّر كل من أتى بناقض من نواقض التوحيد، أو أنكر أمراً معلوماً من الدين بالضرورة، والتساؤل هل أنَّ إنكار الإقطاع المذكور يندرج تحت هذه الأمور؟!
وفي هذا الصدد نجد أنَّ مؤلف كتاب تميم قد عنون (ص57) ب: تكفير من أنكر إقطاع الرسول عليه السلام لتميم، وقال: لقد أفتى حجة الإسلام الإمام أبو حامد الغزالي بكفر من عارض في صحة هذا الإعطاء وطعن فيه.
وستأتي قصة فتوى الغزالي في ثنايا هذا الجزء، ولم أفهم منها ما فهمه المؤلف، وقد حاولت هذا فلم أستطعه، وقد ناقشت إطلاق الغزالي للتكفير، وبينت بأننا لا نوافق هذا الحكم، لأن الإمام الغزالي قد كفَّر القاضي متأولاً لكلمته، ولا يجوز التكفير تأولاً، أما ما قاله هذا القاضي فهو: ((هذا الكتاب ليس بلازم، لأنًّ النبي r أقطع تميماً ما لم يملك))، إذاً فالمسألة لا علاقة لها بصحة الإقطاع من عدمه، بل لم تُطرح الصحة في هذا المقام أصلاً، وبالتالي فإنَّ التكفير الصادر من الغزالي لتوهم أنَّ هذا القاضي قدح في مقام النبوة، ولا أرى أنَّ القاضي أراد هذا، فأخطأ الغزالي ـ يرحمه الله ـ من هذا الوجه، وأخطأ المؤلف خطأً مركباً لأنَّه فهم كلام الغزالي على غير ما أراد، ثم استنتج منه كفر كل من أنكر الإقطاع أو شكك فيه.
3 - : الإجماع على هذا الإقطاع. وادعاء الإجماع أمر سهل يحسنه كل أحدٍ، لكن إثباته صعبٌ، إذ إنَّ الإجماع يؤخذ من مظانه في الكتب المتخصصة، أو من كتب الفقه المقارن بعد البحث والاستيفاء، ولم يذكر أحدٌ من العلماء في حدود علمي هذه المسألة ضمن الإحماعات، وبهذا يتبين مدى مجازفة المؤلف بقوله (ص 45): وهذا يدلُّ على الإجماع أيضاً عبر العصور، إذاً فهناك إجماعٌ وتواتر؛ وهما من أقوى صيغ الإثبات!!
وبناءً على ما مرَّ كله فلا يمكننا قبول كل الأحكام التي أطلقها المؤلف، وبالذات دعوى التواتر، لأنَّ كل الروايات التي مرَّت لا يمكن من خلالها الحكم بالصحة فضلاً عن التواتر، ولكن أقلَّ الروايت ضعفاً هي الرواية الأولى التي رواها ابن سيرين عن تميم، ولهذا يمكننا اعتمادها وإسقاط ما سواها من الروايات وهذا يترتب عليه:
أ-
ـ[عبدالرحمن الفقيه]ــــــــ[20 - 09 - 05, 08:51 ص]ـ
جزاكم الله خيرا شيخنا الفاضل لطفي بن محمد، ونسال الله أن ييسر لك إخراج هذه الرسالة والفوائد حول هذه المسالة، والحمد لله على وجود أمثالكم من أهل العلم ممن ينافحون عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
ـ[لطفي بن محمد الزغير]ــــــــ[20 - 09 - 05, 10:45 م]ـ
وجزاكم بالمثل وأكثر، فأنتم شيخنا الجليل لكم القدح المُعلّى في هذاالميدان.
ـ[خالد بن عمر]ــــــــ[23 - 11 - 05, 10:02 م]ـ
أخبرنا الشيخ نظام يعقوبي في رمضان المنصرم أن الرسالة طبعت في الأردن بتحقيق الدكتور عبدالستار أبو غدة
ثم بحثت عنه فوجدته هنا
اسم الكتاب: الجواب الجليل عن حكم بلد الخليل
المؤلف: الدكتور عبد الستار أبو غدة
الناشر: مطابع الدستور التجارية
عام النشر: 1421ھ-2001م
لمحة عن الكتاب: يأتي هذا نشر الكتاب عن عطية نبوية للصحابي الجليل تميم الداري رضي الله عنه , تأكيداً لهوية الخليل الإسلامية و دفعاً لإدعاءات تهويدها و تهويد مدن فلسطين بشكل عام
http://www.abughuddah.com/Books/books_pics_popup/images/book_28.jpg
¥