((وأما ((الأدب المفرد)). فالكتاب الذى تحاسدت الأقلام على تحريره. وتنافست مشارق الأنوار على نظم سطوره. كيف لا، وقد أضاءت أنواره بالجلالة فأشرقت. وهطلت أنواؤه بالإحسان فأغدقت. فما أبهاها روضةً أضحت النفائسُ المحمَّديَّة لها خميلة!. وما أزهاه بدراً أمست المشكاة النَّبويَّة له حميلة!. وما أبهرَها معجزةً أيَّدت حواريِّيها بمائدةٍ كانت لهم عيدا. وزادتهم مع إيمانهم إيماناً ونصراً وتأييدا.
هذا كتابُ فوائدٍ مجموعةٍ جُمعت بكدِّ جوارح الأبدانِ
وبدائمِ الإدلاج فى غَسَقِ الدجى والسيرِ بين مناكبِ البلدانِ
فهو ضالة الأريب. ومأدبة اللبيب. وصفوة العلم ونقاوة العمل. ومنتهى المأمول وغاية الأمل. وزبدة التذكير والإرشاد. وخلاصة الزاد ليوم الميعاد.
فيا أيها المنتاب. لهذا الجناب. خذ من الكتاب ما أعطاك. واستخرج بفهمك ما أخطاك. فالصبح لا يُتمارى فى إسفاره. ولا يفتقر إلى دليلٍ على إشراق أنواره. وفى التصانيف مهاجرون وأنصار. وكواكبُ وأقمار. وأسودٌ وفرسان. وقلائدُ وعقيان. أما قرأت البدور السافرة. والنجوم الزاهرة. ألم تتصفح كتائبَ الأعلام الأخيار. ودرر البحار فى الأحاديث القصار. ألم يأتك نبأ عقد الجمان. وقلائد العقيان فى محاسن الأعيان.
و ((الأدب المفرد)) من لم يرو منه. ويصدر عنه. فكأنه لم يحط من الكتب إلا بالغلاف. أو تناول الكأس بغير سُلاف. فأحْسِنْ به لعاقلٍ يحسنُ العمل. وغافلٍ يفتتن بالأمل. ووَرِعٍ يسد عما رابه الذريعة. ومستشفٍ يعالج النفس الوجيعة. وكارعٍ في حياض الشريعة. وراتعٍ برياض الآداب المريعة. ومقتبسٍ من نبراس الرواية. وملتمسٍ لدقائق التأويل وحقائق الدراية. وواعظٍ ذكَّر بأيام الله وخوَّف. ومشغولٍ بلذاته طالما أخَّر المتاب وسوَّف.
أسبغ الله إمام المحدثين بوابل رحماته وشآبيب الغفران. وقدَّس ثراه وجعله روضةً من رياض الجنان. والله يقضى له ولنا بالهبات الوافرة. ويجمعنا به فى مستقر النعيم فى الآخرة)) اهـ.
ـ[أبو محمد الألفى]ــــــــ[10 - 08 - 04, 01:47 ص]ـ
الحمد لله نسترفده العون والتوفيق. ونسأله الهداية إلى أقوم طريق.
ومن لظائف صحاح زوائد ((الأدب المفرد))؛ ما ذكره فى:
120: باب المسلم مرآة أخيه
(240) حدثنا أحمد بن عاصم قال حدثني حَيْوَةُ ـ يعنى ابْنَ شُرَيْحٍ الْمِصْرِيَّ ـ قال حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ عَنِ ابْنِ ثَوْبَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ وَقَّاصِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنِ الْمُسْتَوْرِدِ عن النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَنْ أَكَلَ بِمُسْلِمٍ أَكْلَةً، فَإِنَّ اللهَ يُطْعِمُهُ مِثْلَهَا مِنْ جَهَنَّمَ، وَمَنْ كُسِيَ بِرَجُلٍ مُسْلِمٍ، فَإِنَّ اللهَ يَكْسُوهُ مِنْ جَهَنَّمَ، وَمَنْ قَامَ بِرَجُلٍ مُسْلِمٍ مَقَامَ ريَاءٍ وَسُمْعَةٍ، فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُومُ بِهِ مَقَامَ ريَاءٍ وسُمْعَةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)).
أخرجه كذلك أبو داود (4881)، والطبرانى ((الكبير)) (20/ 309/735) و ((الأوسط)) (1/ 215/697 و4/ 45/3572) و ((مسند الشاميين)) (1/ 130/206)، والبيهقى ((شعب الإيمان)) (5/ 300/6717)، والمزى ((تهذيب الكمال)) (30/ 458) من طرق عن بقية بن الوليد الحمصى عن عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان عن أبيه عن مكحول عن وقاص بن ربيعة عن المستورد به.
وقال أبو القاسم الطبرانى: ((لم يرو هذا الحديث عن ابن ثوبان إلا بقية بن الوليد)) اهـ.
قلت: وهو مدلس، لكنه صرَّح بالسماع فى رواية محمد بن المصفى عند البيهقى.
وإن لم يصرح مكحول بسماعه، فقد توبع ولم يتفرد. تابعه أحفظ أهل الشام بعده: سليمان بن موسى الأشدق أبو أيوب الدمشقى، فرواه عن وقاص بن ربيعة، فدل على حفظ مكحول وضبطه.
فقد أخرجه أحمد (4/ 229)، والحارث بن أبى أسامة كما فى ((زوائد الهيثمى)) (879)، وابن أبى عاصم ((الآحاد والمثانى)) (5/ 281/2807)، وأبو يعلى (12/ 264/6858)، والطبرانى ((الكبير)) (20/ 308/734) و ((الأوسط))، وابن قانع ((معجم الصحابة)) (3/ 110)، والبيهقى ((شعب الإيمان)) (5/ 300/6717)، والحاكم (4/ 27)، وابن عساكر ((التاريخ)) (63/ 57:54)، والمزى ((تهذيب الكمال)) (30/ 459) من طرق عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن وقاص بن ربيعة عن المستورد بنحوه.
وقال الحاكم: ((هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه))، ووافقه الذهبى.
قلت: هو كما قالا، رجاله ثقات كلهم، ووقاص بن ربيعة أبو رشدين الحمصى من كبار أتباع الشاميين. ذكره أبو زرعة الدمشقي في الطبقة الثانية من أهل الشام. وقال الذهبى ((الكاشف)) (2/ 350/6054): ((وقاص بن ربيعة العنسي. عن: أبي الدرداء، والمستورد. وعنه: محمد بن زياد الألهاني، ومكحول. ثقة))، وذكره ابن حبان فى ((كتاب الثقات)) (5/ 496/5912).
قلت: وروى عنه كذلك سليمان بن موسى الأشدق.
[بيان] وقاص بن ربيعة ليس له فى ((الكتب الستة)) إلا هذا الحديث.
[بيان ثان] أحمد بن عاصم شيخ البخارى، هو البلخى أبو محمد، من الطبقة الوسطى لشيوخ البخارى، ليس له رواية فى ((الصحيح))، وإنما روايته فى ((الأدب المفرد))، وله ثلاثة أحاديث.
¥