تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أيدينا آثار غيث، فسرنا مليا، فإذا بغدير، وإذا فيه جيفتان، وإذا السباع قد وردت الماء، فأكلت من الجيفتين، وشربت من الماء، قال: فقلت: يا رسول الله هذه جيفتان، وآثار السباع قد أكلت منها، فقال النبي: نعم هما طهوران، اجتمعا من السماء والأرض، لا ينجسهما شيء، وللسباع ما شربت في بطنها، ولنا ما بقي، حتى إذا ذهب ثلث الليل، إذا نحن بمنادي ينادي بصوت حزين: اللهم اجعلني من أمة محمد المرحومة، المغفور لها، المستجاب لها، المبارك عليها فقال رسول الله: يا حذيفة ويا أنس ادخلا إلى هذا الشعب، فانظرا ما هذا الصوت، قال: فدخلنا، فإذا نحن برجل عليه ثياب بياض أشد بياضاً من الثلج، وإذا وجهه ولحيته كذلك، ما أدري أيهما أشد ضوءا: ثيابه أو وجهه؟، فإذا هو أعلى جسما منا بذراعين أو ثلاثة، قال: فسلمنا عليه، فرد علينا السلام، ثم قال: مرحبا أنتما رسولا رسول الله، قالا: فقلنا: نعم، قالا: فقلنا: من أنت رحمك الله؟، قال: أنا إلياس النبي، خرجت أريد مكة، فرأيت عسكركم، فقال لي جند من الملائكة على مقدمتهم جبريل وعلى ساقتهم ميكائيل: هذا أخوك رسول الله، فسلم عليه وألقه، ارجعا فاقرئاه السلام، وقولا له: لم يمنعني من الدخول إلى عسكركم إلا أني أتخوف أن تذعر الإبل، ويفزع المسلمون من طولي، فإن خلقي ليس كخلقكم، قولا له: يأتيني، قال حذيفة وأنس: فصافحناه، فقال لأنس خادم رسول الله: من هذا؟، قال: حذيفة بن اليمان صاحب رسول الله، قال: فرحب به، ثم قال: والله إنه لفي السماء أشهر منه في الأرض، يسميه أهل السماء صاحب رسول الله، قال حذيفة: هل تلقى الملائكة؟، قال: ما من يوم إلا وأنا ألقاهم، ويسلمون عليَّ، وأسلم عليهم، قالا: فأتينا النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فخرج النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معنا، حتى أتينا الشعب، وهو يتلألأ وجهه نوراً، وإذا ضوء وجه إلياس وثيابه كالشمس، قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: على رسلكما، فتقدمنا النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدر خمسين ذراعا، وعانقه ملياً، ثم قعدا، قالا: فرأينا شيئا كهيئة الطير العظام بمنزلة الإبل، قد أحدقت به، وهي بيض، وقد نثرت أجنحتها، فحالت بيننا وبينهما، ثم صرخ بنا النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: يا حذيفة ويا أنس تقدما، فتقدمنا، فإذا بين أيديهم مائدة خضراء لم أر شيئا قط أحسن منها، قد غلب خضرتها لبياضها، فتقدمنا، فإذا بين أيديهم مائدة خضراء، وإذا عليها خبز ورمان وموز وعنب ورطب وبقل ما خلا الكراث، قال النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كلوا بسم الله، قال: فقلنا: يا رسول الله أمن طعام الدنيا هذا؟، قال: لا، هذا رزقي، ولي في كل أربعين يوما وأربعين ليلة أكلة، تأتيني بها الملائكة، وهذا تمام الأربعين يوما والليالي، وهو شيء يقول الله عز وجل له كن فيكون، قال: فقلنا: من أين وجهك؟، قال: وجهي من خلف رومية، كنت في جيش من الملائكة مع جيش من المسلمين غزوا أمة من الكفار، قال فقلنا: فكم يسار من ذلك الموضع الذي كنت فيه؟، قال: أربعة أشهر، وفارقته أنا منذ عشرة أيام، وأنا أريد إلى مكة أشرب بها في كل سنة شربة، وهي ريي وعصمتي إلى تمام الموسم من قابل، قال: فقلنا: فأي المواطن أكبر معارك؟، قال: الشام وبيت المقدس والمغرب واليمن، وليس في مسجد من مساجد محمَّد إلا وأنا أدخله صغيراً كان أو كبيراً، قال: الخضر متى عهدك به؟، قال: منذ سنة، كنت قد التقيت أنا وهو بالموسم، وقد كان قال: إنك ستلقى محمَّداً قبلي، فاقرئه مني السلام، وعانقه، وبكى قال: ثم صافحناه وعانقناه، وبكى وبكينا، فنظرنا إليه حتى هوى في السماء، كأنه يحمل حملاً، فقلنا: يا رسول الله لقد رأينا عجباً إذ هوى إلى السماء، فقال: إنه يكون بين جناحي ملك حتى ينتهي به حيث أراد)).

وقال أبو القاسم: ((هذا حديث منكر، وإسناده ليس بالقوي)).

قلت: بل هو أشد سماجةً وبرودةً من سابقه، فعلامات الكذب لائحة على كل فقرة من فقراته. ولستُ بحانثٍ لو أقسمتُ أنه: لم يروه واثلة، ولا مكحول، ولا الأوزاعى. وإنما هو أفك تولى كبره دجَّال من هؤلاء الدجاجلة. والمتهم به بهذا السند: بقية بن الوليد الشامى، فقد سمعه من أحد الكذَّابين، ثم دلَّسه عن الأوزاعى. وقد قال أبو مسهر الدمشقى: أحاديث بقية ليست نقية فكن منها علي تقية. وفى سياق هذه القصة المكذوبة ما ينبئك بشناعة الكذب على أنبياء الله ورسله:

[أولاً] أفلو كان نبى الله إلياس حياً زمن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أكان يتخلف عن المثول بين يديه إلى أن يلتقى به فى غزوة تبوك من العام التاسع، بعيداً عن مهبط الوحى ومتنزل الملائكة!.

[ثانياً] وأعجب لهذا العذر المانع من إتيانه لإمام المرسلين، وقائد الغر المحجلين: إنه التخوف من ذعر الإبل، وفزع المسلمين من رؤية نبى الله إلياس عليه السلام. فأين هذا مما ذكره هذا الوضَّاع المتهوِّك بعد ذلك بقوله ((يتلألأ وجهه نوراً، وإذا ضوء وجهه وثيابه كالشمس))!.

[ثالثاً] وإن تعجب، فعجبٌ زعم هذا المتهوِّك أن إلياس والخضر يلتقيان بالموسم كل عام!. فإن كانا كذلك، فأين هما من حجَّة الوداع، وكيف لم يلتقيا برسول الله فى أعظم حجَّةٍ، وأكرمها على الله؟!، بل أين هما من غزوات رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومشاهده ومواقفه، سيما التى تنزلت لها الملائكة كغزوة بدرٍ؟!. سبحان الله ((إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ)).

[رابعاً] وعجبٌ قوله على لسان نبى الله إلياس ((وليس في مسجد من مساجد محمَّد إلا وأنا أدخله صغيراً كان أو كبيراً)). أفلا يستحيى هذا الوضَّاع من الله وأنبيائه، أم كان يجهل ((وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ للهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا))!!.

وفى ثنايا القصة كثير مما يستنكر، ولا يخفى مثله على من له أدنى معرفة بحقائق الشريعة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير