قال الحافظ ابن حجر [91]: عقب تبويب البخاري "باب حق إجابة الوليمة والدعوة": كذا عطف الدعوة على الوليمة فأشار بذلك إلى أن الوليمة مختصة بطعام العرس ويكون عطف الدعوة عليها من العام بعد الخاص وقد تقدم بيان الاختلاف في وقته.
وأما اختصاص اسم الوليمة به فهو قول أهل اللغة فيما نقله عنهم ابن عبد البر [92] وهو المنقول عن الخليل بن أحمد وثعلب وغيرهما وجزم به الجوهري [93] وابن الأثير [94] وقال صاحب المحكم: الوليمة طعام العرس والإملاك، وقيل كل طعام صنع لعرس وغيره.
وقال عياض في المشارق: الوليمة طعام النكاح وقيل: الإملاك وقيل: طعام العرس خاصة.
وقال الشافعي وأصحابه: تقع الوليمة على كل دعوة تتخذ لسرور حادث من نكاح أو ختان أو غيرهما، لكن الأشهر استعمالها عند الإطلاق في النكاح وتقيد في غيره فيقال: وليمة الختان ونحو ذلك.
وقال الأزهري [95]: الوليمة مأخوذة من الوَلم الجمع وزناً ومعنى لأن الزوجين يجتمعان.
وقال ابن الأعرابي: أصلها من تتم الشيء واجتماعه.
وجزم الماوردي ثم القرطبي بأنها لا تطلق في غير طعام العرس إلا بقرينة وأما الدعوة فهي أعم من الوليمة ... اه.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية [96]: الوليمة تختص بطعام العرس في مقتضى كلام أحمد في رواية المروذي.
وقيل: تطلق على كل طعام لسرور حادث وقاله القاضي في الجامع وقيل: تطلق على ذلك إلا أنه في العرس أظهر.
وقال العراقي [97]: اختلف العلماء وأهل اللغة في الوليمة والمشهور اختصاصها بطعام العرس ... ثم ساق نحو كلام الحافظ السابق.
وقال في القاموس [98]: الوليمة طعام العرس أو كل طعام صنع لدعوة وغيرها وأَوْلَم صنعها.
قال ابن رسلان [99]: وقول أهل اللغة أقوى لأنهم أهل اللسان وهم أعرف بموضوعات اللغة وأعلم بلسان العرب.
وقال الشوكاني [100]: عقب دلالة هذا الحديث: "والظاهر الوجوب للأوامر الواردة بالإجابة من غير صارف لها عن الوجوب ولجعل الذي لم يجب عاصياً وهذا في النكاح في غاية الظهور وأما في غيرها من الولائم الآتية فإن صدق عليها اسم الوليمة شرعاً كما سلف في أول الباب كانت الإجابة إليها واجبة".
وقال أيضاً [101]: ويمكن أن يقال: الوليمة في اللغة وليمة العرس فقط وفي الشرع للولائم المشروعة. اه.
وبعد إيراد هذه النقول يظهر لنا أن المشهور عند أهل اللغة وغيرهم أن الوليمة لا تطلق إلا على وليمة العرس فقط وعلى هذا لا يكون في الحديث دلالة على الوجوب إلا في وليمة العرس فقط.
قال الطحاوي [102]: فتأملنا هذا الحديث - يعني حديث أبي هريرة - لنقف على معناه الذي أريد به إن شاء الله فوجدنا الطعام المقصود بما ذكر إليه فيه هو الوليمة وكانت صنفاً من الأطعمة لأن في الأطعمة أصنافاً سواها نحن ذاكروها في هذا الباب إن شاء الله وهو ما سمعت أحمد بن أبي عمران يقول: كانت العرب تسمى الطعام الذي يطعمه الرجل إذا ولد له مولود طعام الخرس وتسمى طعام الختان طعام الأعذار. يقولون: قد أعذر على ولده.
وإذا بنى الرجل داراً أو اشتراها فأطعم قيل طعام الوكيرة أي من الوكر.
وإذا قدم من سفر فأطعم قيل طعام النقيعة.
قال: وأنشد أبو نصر أحمد بن حاتم صاحب الأصمعي:
إنا لنضرب بالسيوف رؤوسهم
ضرب القدار نقيعة القدام
قال: والقدار الجزار والقدام القادمون يقال قادم وقدّام كما يقال كاتب وكتاب.
وطعام المأتم يقال له طعام الهضيمة قال لنا ابن أبي عمران: وأنشدني الحسن بن عمرو الوائلي لأم حكيم بنت عبد المطلب لأبيها:
كفى قومه نائبات الخطوب
في آخر الدهر والأول
طعام الهضائم والمأدبات
وحمل عن الغارم المثقل
وطعام الدعوة: طعام المأدبة قال لي ابن أبي عمران: وما سمعت طعام الهضيمة من أصحابنا البغداديين وإنما سمعته بالبصرة من أهل اللغة بها.
قال أبو جعفر: وطعام الوليمة خلاف هذه الأطعمة وفي قصد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكلام الذي قصد به إليه فيه ما قد دل أنه حكمه في الدعاء إليه خلاف غيره من الأطعمة المدعى إليها ولولا ذلك لاكتفى بذكر الطعام ولم يقصد إلى اسم من أسمائه فيذكره به ويدع ما سواه من أسمائه فلا يذكرها.
¥