وقال الطحاوي [117]: عقب هذا الحديث: فقد تحتمل أيضاً أن يكون الحق الواجب في إجابة الدعوة يراد به الدعوة التي هي وليمة لا ما سواها فلم يبين لنا في شيء مما روينا وجوب إتيانه من الطعام المدعى إليه غير طعام الوليمة التي هي الأعراس والله سبحانه نسأله التوفيق.
وقال أيضاً [118] في الجواب عن حديث أبي أيوب: فقال قائل ففي هذا الحديث من كلام أبي أيوب ما قد دل على أن الدعوة التي من حق المسلم على أخيه إجابته إليها هو مثل ما دعا إليه فأجاب إليه.
فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه: أنه قد يحتمل أن يكون ذلك كما قد ذكر ويكون الأحسن بالناس إذا دعوا إلى مثله أن لا يتخلفوا عنه ويكون حضور بعضهم إياه مسقطاً لما على غيرهم منه ويكون من الأشياء التي يحملها العامة على الخاصة كحضور الجنائز وكدفن الموتى.
ويحتمل أن يكون ذلك على ما يجب أن يكون الناس عليه في أسفارهم مع إخوانهم من الزيادة في مواصلتهم والانبساط إليهم والجود عليهم أكثر مما يكونون لهم عليه في خلاف السفر فيكون ما كان من أبي أيوب لذلك والذي كان منه فلم يذكره عن النبي صلى الله عليه وسلم
وإنما ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم ما سوى ذلك مما في هذا الحديث.
وقد يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أراد بما في هذا الحديث من إجابة الدعوة الوليمة التي ذكرنا لا ما سواها. اه.
وأما الدليل الخامس حديث أبي أمامة والدليل الثامن حديث أبي هريرة والدليل التاسع حديث يعلي بن مرة فإنها ضعيفة وتقدم بيان ضعفها.
أما الدليل السادس حديث ابن مسعود فيجاب عنه بمثل ما أجيب عن الدليل الثالث والرابع حديث البراء وأبي هريرة رضي الله عنهما.
وقال الطحاوي [119]: في الجواب عن حديث ابن مسعود: ففي هذا الحديث الأمر بإجابة الداعي وبقبول الهدية والمنع من ردها فقد يحتمل أن تكون هذه الإجابة وهذا الممنوع من رده من جنس واحد ويكون المدعى إليه هو خلاف الوليمة وقد يحتمل أن يكون كل واحد منهما جنساً غير الجنس الآخر فيكون المدعى إليه هو الوليمة الواجب إتيانها والهدية بخلافها. اه.
وأما الدليل السابع حديث جابر فيجاب عنه بمثل ما أجيب عن الدليل الثالث والرابع حديث البراء وأبي هريرة.
وقال الطحاوي [120] أيضاً في الجواب عن هذا الحديث: فكان ذلك محتملاً أن يكون أريد به الطعام المذكور في الآثار الأول [121] لا ما سواه منها.
وقد يجاب عن هذه الأدلة كلها عدا الدليل الأول والثاني بأن المراد بها إما وليمة العرس كما أشار إليه الطحاوي، وإما أنها محمولة على الاستحباب والصارف لها عن الوجوب هو حديث أبي هريرة وابن عمر في رواية أبي يعلي حيث رتب العصيان على من لم يجب الوليمة فهذا يدل على أن غير الوليمة لها حكم آخر غير الوجوب وهو الندب وسيأتي مزيد بحث في ذلك عند مناقشة أصحاب القول الثالث إن شاء الله تعالى.
مناقشة أدلة أصحاب القول الثاني:
أدلة أصحاب هذا القول لا تخلو عن ثلاثة أحوال:
الأول: بعضها ظاهر الدلالة على السنية مثل الدليل الأول والثاني والثالث والرابع مع ضعف في الثالث والرابع.
والثاني: بعضها ظاهر الدلالة على الوجوب وذلك في مثل حديث أبي هريرة وابن عمر حيث أطلق العصيان على من لم يجب الدعوة والعصيان يكون بترك الواجب أو فعل المحرم وهذا ظاهر في وليمة العرس محتمل في غيرها.
الثالث: بعضها محتملة للوجوب والسنية وذلك بحسب القرائن وهذا في مثل الأحاديث التي فيها الأمر بإجابة الدعوة كحديث البراء وغيره.
فعلى هذا هذه الأدلة لا تسلم دلالتها على السنية مطلقاً لأن فيها أدلة تدل على الوجوب كما تقدم.
مناقشة أصحاب القول الثالث:
هذا القول وسط بين القولين السابقين الوجوب مطلقاً والسنية مطلقاً والأدلة التي استدلوا بها ظاهرة الدلالة على هذا القول بالجملة إلا أنه قد ينازع في بعضها وهي التي فيها الأمر بإجابة الدعوة مطلقاً من غير تقييد بالوليمة إذ الأصل في الأمر الوجوب إلا أن يصرفه صارف إلا أن يقال إن الصارف لهذه الأدلة عن الوجوب - غير وليمة العرس - هو:
¥