وأما الرافضة الإمامية: فلهم قول رابع: وهو أن المهدي هو محمد بن الحسن العسكري المنتظر، من ولد الحسين بن علي، لا من ولد الحسن، الحاضر في الأمصار، الغائب عن الأبصار، الذي يورث العصا، ويختم الفضا، دخل سرداب سامراء طفلا صغيرا من أكثر من خمس مئه سنة، فلم تره بعد ذلك عين، ولم يحس فيه بخبر، ولا أثر، وهم ينتظرونه كل يوم! يقفون بالخيل على باب السرداب، ويصيحون به أن يخرج إليهم: اخرج يا مولانا، اخرج يا مولانا، ثم يرجعون بالخيبة والحرمان، فهذا دأبهم ودأبه.
ولقد أحسن من قال:
ما آن للسرداب أن يلد الذي ... كلمتموه بجهلكم ما آنا؟
فعلى عقولكم العفاء فإنكم ... ثلثتم العنقاء والغيلانا
ولقد أصبح هؤلاء عارا على بني آدم، وضحكة يسخر منهم كل عاقل.
أما مهدي المغاربة: محمد بن تومرت، فإنه رجل كذاب ظالم متغلب بالباطل، ملك بالظلم والتغلب والتحيل، فقتل النفوس، وأباح حريم المسلمين، وسبى ذراريهم، وأخذ أموالهم، وكان شرا على الملة من الحجاج بن يوسف بكثير.
وكان يودع بطن الأرض في القبور جماعة من أصحابه أحياء، يأمرهم أن يقولوا للناس: إنه المهدي الذي بشر به النبي صلى الله عليه وسلم ثم يردم عليهم ليلا، لئلا يكذبوه بعد ذلك، وسمى أصحابه - الجهمية نفاة صفات الرب وكلامه، وعلوه على خلقه، واستوائه على عرشه، ورؤية المؤمنين له بالأبصار يوم القيامة - الموحدين، واستباح قتل من خالفهم من أهل العلم والإيمان، وتسمى بالمهدي المعصوم.
ثم خرج المهدي الملحد عبيد الله بن ميمون القداح، وكان جده يهوديا من بيت مجوسي، فانتسب بالكذب والزور إلى أهل البيت، وادعى أنه المهدي الذي بشر به النبي صلى الله عليه وسلم، وملك وتغلب، واستفحل أمره، إلى أن استولت ذريته الملاحدة المنافقون - الذين كانوا أعظم الناس عداوة لله ولرسوله - على بلاد المغرب، ومصر، والحجاز، والشام، واشتدت غربة الإسلام ومحنته ومصيبته، وكانوا يدعون الإلهية، ويدعون أن للشريعة باطنا يخالف ظاهرها.
وهم ملوك القرامطة الباطنية أعداء الدين، فتستروا بالرمض والانتساب - كذبا - إلى أهل البيت، ودانوا بدين أهل الإلحاد، ولم يزل أمرهم ظاهرا إلى أن أنقذ الله الأمة، ونصر الإسلام بصلاح الدين يوسف بن أيوب، فاستنقذ الملة الإسلاميه منهم وأبادهم، وعادت مصر دار إسلام، بعد أن كانت دار نفاق وإلحاد في زمنهم.
والمقصود: أن هؤلاء لهم مهدي، وأتباع ابن تومرت لهم مهدي، والرافضة الاثنا عشرية لهم مهدي.
فكل هذه الفرق تدعي في مهديها - الظلوم الغشوم، والمستحيل المعدوم - أنه الإمام المعصوم، والمهدي المعلوم، الذي بشر به النبي صلى الله عليه وسلم وأخبر بخروجه.
وهي تنتظره كما تنتظر اليهود القائم الذي يخرج في آخر الزمان، فتعلوا به كلمتهم، ويقوم به دينهم، وينصرون به على جميع الأمم.
والنصارى تنتظر المسيح يأتي قبل يوم القيامة، فيقيم دين النصرانية، ويبطل سائر الأديان.
وفي عقيدتهم: نزع المسيح الذي هو إله حق من إله حق من جوهر أبيه الذي نزل طامينا. إلى أن قالوا: وهو مستعد للمجيء قبل يوم القيامة.
فالملل الثلاث تنتظر إماما قائما، يقوم في آخر الزمان.
ومنتظر اليهود هو الذي يتبعه من يهود أصبهان سبعون ألفا.
وفي المسند مرفوعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم: أكثر أتباع الدجال اليهود والنساء.
والنصارى تنتظر المسيح عيسى ابن مريم، ولا ريب في نزوله، ولكن اذا نزل كسر الصليب، وقتل الخنزير، وأباد الملل كلها سوى ملة الإسلام، وهذا معنى الحديث: لا مهدي إلا عيسى ابن مريم.
والله أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.