والذي أنصح به طلاب العلم أن لا يصغوا إلى كلام أولئك المفتونين الزائغين وأن يقبلوا على تعلم الكتاب والسنة وأن يبينوا للناس أحوال أولئك الزائغين ويحذروهم منهم ومن كتبهم ومجلاتهم وندواتهم.
والله أسأل أن يحفظ علينا ديننا وأن يتوفانا مسلمين.
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
المبتدعة ينكرون حقيقة السحر
قال القرطبي رحمه الله (ج2 ص46): ذهب أهل السنة إلى أن السحر ثابت وله حقيقة، وذهب عامة المعتزلة وأبوإسحاق الأستراباذي من أصحاب الشافعي إلى أن السحر لا حقيقة له، وإنما هو تمويه وتخييل وإيهام، لكون الشيء على غير ما هو به، وأنه ضرب من الخفّة والشعوذة، كما قال تعالى: {يخيّل إليه من سحرهم أنّها تسعى1} ولم يقل: تسعى على الحقيقة، ولكن قال: {يخيّل إليه} وقال أيضًا: {سحروا أعين النّاس2?} وهذا لا حجة فيه، لأنا لا ننكر أن يكون التخييل وغيره من جملة السحر، ولكن ثبت وراء ذلك أمور جوّزها العقل وورد بها السمع، فمن ذلك ما جاء في هذه الآية من ذكر السحر وتعليمه، ولو لم يكن له حقيقة لم يمكن تعليمه ولا أخبر تعالى أنّهم يعلمونه الناس فدل على أن له حقيقة، وقوله تعالى في قصة سحرة فرعون: {وجاءوا بسحر عظيم?} وسورة الفلق مع اتفاق المفسرين على أن سبب نزولها ما كان من سحر لبيد بن الأعصم، وهو مما خرجه البخاري ومسلم3 وغيرهما عن عائشة رضى الله عنها قالت: سحر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يهوديّ من يهود بني زريق، يقال له لبيد بن الأعصم الحديث، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما حل السحر قال: ((إن الله شفاني)).
والشفاء إنما يكون برفع العلة وزوال المرض، فدل على أن له حقًا وحقيقة، ً فهو مقطوع به بإخبار الله تعالى ورسوله على وجوده ووقوعه، وعلى هذا أهل الحل والعقد الذين ينعقد بهم الإجماع، ولا عبرة مع اتفاقهم بحثالة المعتزلة ومخالفتهم أهل الحق.
ولقد شاع السحر وذاع في سابق الزمان، وتكلّم الناس فيه ولم يبد من الصحابة ولا من التابعين إنكار لأصله، وروى سفيان عن أبي الأعور عن عكرمة عن ابن عباس قال: علم السحر في قرية من قرى مصر، يقال له: (الفرما)، فمن كذب به فهو كافر مكذب لله ورسوله، منكر لما علم مشاهدةً وعيانًا.
وقال الحافظ ابن كثير في "تفسيره" (ج1 ص254): فصل: حكى أبوعبدالله الرازي في "تفسيره" عن المعتزلة أنّهم أنكروا وجود السحر قال: وربما كفّروا من اعتقد وجوده، قال: وأما أهل السنة فقد جوّزوا أن يقدر الساحر أن يطير في الهواء، أو يقلب الإنسان حمارًا والحمار إنسانًا، إلا أنّهم قالوا: إن الله يخلق الأشياء عندما يقول الساحر تلك الرّقى والكلمات المعيّنة، فأما أن يكون المؤثر في ذلك هو الفلك والنجوم فلا، خلافًا للفلاسفة والمنجّمين والصابئة، ثم استدل على وقوع السحر وأنه بخلق الله تعالى بقوله تعالى: {وما هم بضارّين به من أحد إلاّ بإذن الله?4}.
ومن الأخبار بأن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم سحر، وأن السحر عمل فيه، وبقصة تلك المرأة مع عائشة رضى الله عنها، وما ذكرت تلك المرأة من إتيانها بابل وتعلمها السحر، قال: وبما يذكر في هذا الباب من الحكايات?الكثيرة.
رجال زائغون سنّوا للناس سنةً سيئةً
من هؤلاء الزائغين الرافضة على اختلاف أصنافهم فقد قدحوا في أفاضل الصحابة رضوان الله عليهم، وردّوا من الشرع مالا يوافق أهواءهم، ومنهم بعض رءوس الاعتزال:
واصل بن عطاء، فقد قدح في أصحاب الجمل وعلي ومن معه، كما في "الفرق بين الفرق" (ص100) ومنهم: عمرو بن عبيد بن باب، قال بفسق تلك الطائفتين المتقاتلتين يوم الجمل، كما في "الفرق بين الفرق" (101)، ومنهم: إبراهيم النّظام، كما في "الفرق بين الفرق" (ص134) فأئمة الضلال من الروافض والمعتزلة هم الذين جرّءوا الناس على رد السنن الصحيحة، وعلى القدح في الأئمة الأثبات، وكل من انحرف من أمة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وسلك هذا السبيل فهو سالك سبيلهم، وهم الذين جرّءوا المستشرقين على الطعن في السنة المطهرة، وأصل الضلال في هذا الباب هم أئمة الاعتزال، وأما الرافضة فإنّهم يطعنون طعنًا سخيفًا غير معقول ولا مقبول، لأنّهم كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: أجهل الناس بالمعقول والمنقول.
¥