تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الثالث: أن كلام وهب هنا صريح في وصف الله عز وجل بالأبعاض والتجسيم. أم أن القوم يجدون لإثبات قدميه على الكرسي وجهاً يليق بجلاله أيضاً؟ أو يقال فيه: بلا كيف أيضاً؟

الرابع: هب أن كلام وهب مما يثبت به عقائد المسلمين في ربهم لكن هذا الخبر لم يصح إسناده إليه فلو لم نعتقد به من جهة سنده لم يكن بذلك بأس أما أن نتهافت إلى الاحتجاج به ونحصنَه بإيجاب عدم التصديق والتكذيب فهذا مما لا يرتضيه المنهج العلمي مع عدم صحة الإسناد لو لم يكن متنه باطلاً فكيف وهو من أبطل الباطل لمخالفته قواطع التنزيه.

استدلالهم بـ (آخر وطأة الله عز وجل لبوج):

ومما استدلوا به أيضاً: ما أخرجه عبد الله بن أحمد بسنده عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله أنه قال: (زعمت المرأة الصالحة خولة بنت حكيم رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج محتضنا أحد ابني ابنته وهو يقول والله إنكم لتجبنون وتبخلون وإنكم لمن ريحان الله عز وجل وإن آخر وطأة الله عز وجل لبوج ([22] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn22))) ([23] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn23))

ومن العجيب أن يُحتج بهذا الخبر في كتاب خُصص للسنة فلولا أن مصنفه حمله على ظاهره لما خطر ببال عاقل أنه من أخبار الصفات. وأعجب منه قول أبي يعلى على طريقته بعد أن نقله: (وذكر الحميدي في مسنده بإسناده عن كعب أنه قال (وج) مقدس منه عرج الرب إلى السماء يوم خلق الأرض … اعلم أنه غير ممتنع على أصولنا حمل هذا الخبر على ظاهره و أن ذلك معنى يتعلق بالذات دون الفعل .. ) ([24] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn24))

ثم تفرغ أبو يعلى لإبطال وجوه التأويل التي تكلفها بعض أهل السنة ([25] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn25))، وأيد مسلكه بنقل كلام خطير ذكره ابن قتيبة فقال: (نقول إن لهذا الحديث مخرجاً حسناً قد ذهب إليه بعض أهل النظر وبعض أهل الحديث قالوا إن آخر ما أوقع الله عز وجل بالمشركين بالطائف وكانت آخر غزاة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بوج، ووج واد قبل الطائف وكان سفيان بن عيينة يذهب إلى هذا ([26] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn26)) … وهذا المذهب بعيد من الاستكراه قريب مع أني لا أقضي به على مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأني قرأت في الإنجيل الصحيح أن المسيح عليه السلام قال للحواريين: ألم تسمعوا أنه قيل للأولين لا تكذبوا إذا حلفتم بالله تعالى ولكن اصدقوا، وأنا أقول لكم لا تحلفوا بشيء لا بالسماء فإنها كرسي الله تعالى ولا بالأرض فإنها موطئ قدميه ولا بأورشليم بيت المقدس فإنها مدينة ولا تحلف برأسك فإنك لا تستطيع أن تزيد فيه شعرة سوداء ولا بيضاء ولكن ليكن قولكم نعم نعم ولا لا وما كان سوى ذلك فإنه من الشيطان.

قال أبو محمد هذا مع حديث .. عن كعب قال إن وجاً مقدس منه عرج الرب إلى السماء يوم قضاء خلق الأرض ([27] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn27)))([28] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn28))

وهذا من أعجب العجب فقد تنبه ابن قتيبة إلى حُسن هذا المخرج وبُعده عن الاستكراه لكنه تركه لأمر هو أقبح وأبعد من تكذيب هذا الخبر بالكلية وهو ما ظن أنه موافق لما ذكره من أخبار أهل الكتاب. ويجب التنبيه على أمور:

الأول: أن ابن قتيبة تنبه إلى ضعف احتمال إرادة الظاهر في الخبر المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم وتنبه أيضاً إلى قوة الظاهر في نص التوراة وقول كعب إذ لا يكاد يحتمل من التأويل ما يحتمله الخبر الأول احتمالاً حسناً موافقاً للغة والشرع، لكنه تركه مراعاة لظاهر التوراة وقول كعب. وهذا هو الذي أشرنا إليه أن القوم لم يُرجِعوا ظواهرَ ما تشابه من النصوص إلى محكم التنزيه وما تقتضيه أساليب العربية بل تحاكموا فيها إلى تجسيمات أهل الكتاب ومنكرات الرواة.

الثاني: أن ابن قتيبة شهد بالصحة لما وجده في الإنجيل. فلو رفعنا رتبة الإنجيل الذي بين يديه في مراتب النقل وساويناه بمرويات المسلمين من الأخبار وعاملناه معاملتها لقضينا بالحكم عليه بالوضع لما في متنه من مخالفة قواطع التنزيه، أو بالنكارة على أضعف الإيمان.

الثالث: أنا لا نسلم ما ذكره ابن قتيبة أنه لا يقضي بهذا التأويل على مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن الخبر لم يصل إلى رتبة الحسن فضلا عن الصحة أو القطع.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير