فكما ترى فإن الحديث إنما يتحدث في امر غيبي لا مجال للرأي او الاجتهاد فيه! ومعنى ذلك بداهة ان كعباً قد نقل هذا القول نقلاً ولم يقل به من عنده! وهنا يتبادر السؤال: من أين اتى كعب بهذا الحديث؟!
لا شك ان كل عاقل سيجيب بان كعباً إنما أخذ هذا الحديث عن من المصادر التي تتحدث عن الأمور الغيبية سواء كانت محقة أو مبطلة! وعلى هذا فإن هناك احتمالان لا ثالث لهما:
فإما أن يكون كعب قد اخذ الحديث عن كتب أهل الكتاب أي من (الإسرائيليات) كما زعم البعض! -وذلك لكون كعب -رحمه الله- كان يهودياً ثم أسلم وكان مطلعاً على كتبهم وما فيها من اخبار.
وإما أن يكون كعب قد اخذ الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ونحن نجيب عن ذلك كما يلي:
أما أن يكون كعب قد اخذ الحديث مما يسمى بالإسرائيليات فهذا محال لعدم وجود رواية في كتب الإسرائيليات تتحدث عن الخلق بهذه الطريقة وبهذا السياق مع كون اليهود -لعنهم الله- يزعمون -لعنوا بما قالوا- بان الله تعالى قد استراح يوم السبت!!! حاشا لله! وتعالى الله عما يقول أحفاد الممسوخين علواً كبيراً! وها هو كتابهم المحرف يذكر شيئاً عن الخلق ومراحله في أول أول سفر لديهم (التكوين1/ 1فما بعدها). كما أن هذا الحديث يخالف الروايات التي رويت عن أهل الكتاب الأخرى كالرواية المنسوبة إلى عبد الله بن سلام رضي الله عنه وكذلك الرواية التي ذكرناها قبل قليل عن كعب!
فلم يبق إذن سوى الاحتمال الاخر وهو الصواب الذي لا شك فيه ولا ريب وهو أن كعباً قد أخذ الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بواسطة أبي هريرة رضي الله عنه وكسل ان يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما قلنا!
أقول: هذا كله على افتراض ان هذه الرواية قد رويت بهذا النص عن كعب ولكن ذلك لم يحدث والحمد لله رب العالمين.
وأرى أن اكتفي بهذا القدر. وأكرر بأن حديث التربة صحيح على شرط مسلم وقد اخرجه في صحيحه الذي هو اصح الكتب بعد كتاب الله تعالى وبعد البخاري. وأكرر بانه ليس لدى الطاعنين فيه من برهان. مع كل التقدير لأئمتنا أئمة اهل الحديث وعلى راسهم ابن المديني وتلميذه النجيب البخاري وشيخ الإسلام ابن تيمية -رضوان الله عليه كلما طلعت شمس أو غابت-.
ثم إن جل من يطعنون في الحديث من المعاصرين إنما هم من المسعورين على السنة، وجلهم ممن يريدون الحط من شأن الصحيحين ليجعلوا لأهوائهم قيمة بالتشكيك في قوة السنة وثبوتها وحجيتها وحقيتها ليبقى لآرائهم سوق تنفق فيه! أسأل الله تعالى ان يعاملهم بعدله! والحمد لله رب العالمين.
خالد بن عبد الرحمن
ـ[خالد بن عمر]ــــــــ[16 - 09 - 04, 10:48 م]ـ
الأخ الفاضل خالد بن عبدالرحمن وفقه الله
أخي الحبيب: عندما أعلّ إمام المحدِّّثين البخاري رحمه الله تعالى هذه الرِّواية وبيَّن انَّ الصَّحيح انها من قول كعب الأحبار لا من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، كان أتقى لله وأخوف من الله وأعرف بدين الله منك عندما دافعت عن هذه الرِّواية، فهو يعرف عقوبة من كذب على رسول الله أو كذّب بشيء مما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، والبخاريُّ رحمه الله تعالى أعرف من مسلم وغيره بعلل الحديث، فهو من أئمة العلل باعتراف مسلم، ولعلك تعرف القصَّة التي حدثت لمسلم مع البخاري رحمه الله عندما سأله عن علَّة حديث كفَّارة المجلس فبينها له البخاري، وهذه العلَّة لا يقبلها كثير من المتعالمين الذين يدَّعون أنهم من أهل الحديث، ولولا الخوف من الفضيحة لقالوا فيها كما قالوا في العلل التي هي من جنسها، ولردّوها كما ردّوا ويردون غيرها من العلل التي هي من جنسها دون حياء من تعالمهم وتطاولهم على الأئمة.
والواقع عندنا الآن أنَّ مسلما رحمه الله أخرج رواية في صحيحه، وأعلَّها البخاريُّ رحمه الله وبيَّن العلَّة التي اعلَّها بها، فمن الحماقة أن نطالبه أن يأتينا بالرِّواية التي أعلَّ هذه الرِّواية بها، لأنا صُحفيين رأينا بعض الكتب المطبوعة في عصرنا أو قبله قليلا ورأينا قليلا من المخطوطات، وفاتنا مئات بل آلاف من المخطوطات التي لا نعرف أسماءها فضلا عن أن نكون رأينا، ها وبها كثير من الرِّوايات التي كان الأئمة يحفظونها عن ظهر قلب.
¥