وأما حديث جابر بن عبد الله، فقد أخرجه مسلم فى ((كتاب النكاح)) (1435) من طرقٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ يَهُودَ كَانَتْ تَقُولُ إِذَا أُتِيَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ دُبُرِهَا فِي قُبُلِهَا، ثُمَّ حَمَلَتْ كَانَ وَلَدُهَا أَحْوَلَ، فَأُنْزِلَتْ ((نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ))، وَزَادَ فِي حَدِيثِ النُّعْمَانِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عنه ((إِنْ شَاءَ مُجَبِّيَةً، وَإِنْ شَاءَ غَيْرَ مُجَبِّيَةٍ، غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي صِمَامٍ وَاحِدٍ)).
وهذا الأخير عن جابر بن عبد الله مما يطول تخريجه، وهو أشهر ما فى الباب وأشيعه وأصحه، لذا أخرجه مسلم فى ((صحيحه)).
[الوجه الثانى] أن نافعاً مولى ابن عمر قد أنكر أيضاً ما رووا عنه: أن ابن عمر كان لا يرى للرجل بأساً فى ذلك، وكذَّب من روى ذلك عنه، وكذلك أبناء عبد الله بن عمر كانوا يكذِّبون نافعاً فى روايته ذلك عن أبيهم رضى الله عنه، فكان سالم بن عبد الله يقول: ((كَذَبَ الْعَبْدُ، أو أَخْطَأ الْعَبْدُ، إنما كان ابن عمر يقول: يأتيها مُقْبِلَةً وَمُدْبِرَةً في الفرج)).
فقد أخرج النسائى ((الكبرى)) (5/ 315/8978) قال: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عُثْمَانَ النُّفَيْلِيُّ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا الْمُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ سُلَيْمَانَ عن كعب بن علقمة عن أبي النضر أنه أخبره أنه قال لنافع مولى عبد الله بن عمر: قد أكثر عليك القول أنك تقول عن ابن عمر: إنه أفتى بأن يؤتى النساء في أدبارها، قال نافع: لقد كذبوا عليَّ، ولكني سأخبرك كيف كان الأمر، إن ابن عمر عرض المصحف يوماً، وأنا عنده حتى بلغ ((نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم))، قال: يا نافع هل تعلم ما أمر هذه الآية؟، إنا كنا معشر قريش نَجْبِى النساءَ، فلما دخلنا المدينة ونكحنا نساء الأنصار، أردنا منهن مثل ما كنا نريد من نسائنا، فإذا هُنَّ قد كرهن ذلك، وأعظمنه، وكانت نساء الأنصار إنما يؤتين على جنوبهن، فأنزل الله تعالى ((نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم)).
وأخرجه كذلك الطحاوى ((شرح المعانى)) (3/ 42) من طريق المفضل بن فضالة بمثله.
وأخرج ابن عساكر ((تاريخ دمشق)) (61/ 438) من طريق أحمد بن منيع نا دواد بن رشيد نا سلمة بن بشر نا موسى بن عبد الله بن حسن بن حسين بن علي نا أبي: أن رجلاً من ولد عثمان بن عفان أخبره أن نافعا روى عن ابن عمر أنه قال: لا بأس أن تؤتى المرأة في دبرها، قال: فأتيت سالم بن عبد الله، فأخبرته بما روى نافع عن ابن عمر، فقال: ((كَذَبَ الْعَبْدُ، أو أَخْطَأ الْعَبْدُ، إنما كان ابن عمر يقول: يأتيها مُقْبِلَةً وَمُدْبِرَةً في الفرج)).
وأخرجه كذلك (61/ 439) من طريق المعلى بن منصور نا موسى بن عبد الله بن حسن عن أبيه قال: أتى محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان فذكر أن نافعا ذكر: أنه حلال أن يؤتين النساء في أدبارهن، وأن عبد الله ذكر ذلك، فأعظمت ذلك، فلقيت عبد الله بن عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، فأخبرتهما بما ذكر نافع، فقالا: ليس ذلك كذلك، كان عبد الله بن عمر يحدثنا: أن النساء كن يؤتين في أقبالهن ـ جمع قُبُلٍ ـ وهُنَّ موليات، فقالت اليهود: من جاء امرأته وهي مولية جاء ابنه أحول، فأنزل الله جل ثناؤه ((نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم))، قال: ثم لقيت سالم بن عبد الله، فأخبرته بما قال نافع، فقال: ((أخطأ العبد أو كذب))، وحدَّث عن أبيه بمثل ما حدث الرجلان.
وأخرجه العقيلى ((الضعفاء)) (4/ 159)، والطحاوى ((شرح المعانى)) (3/ 42)، وابن عدى ((الكامل)) (6/ 346) جميعاً من طريق موسى بن عبد الله بن حسن عن أبيه بنحوه.
وقال أبو جعفر العقيلى: حدثنى آدم سمعت البخارى يقول عن موسى بن عبد الله ((فيه نظر)).
[الوجه الثالث] لما كانث الأحاديث النبوية فى النهى عن إتيان النساء فى أدبارهن متواترة مشتهرة، والآثار عن جماهير الصحابة والتابعين موافقة لها وناهية عن مخالفتها، فقد وجب الأخذ بها والعمل بمقتضاها، وترك ما يخالفها، والله تعالى يقول ((وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا))، وقال جلَّ ذكره ((فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)).
وقد رُوى عن جماعة من الصحابة إطلاق الكفر على من يفعله، ولكن لا يصح منها كبير شئٍ، وما صحَّ منها فعلى محامل خاصة، وفى الصحيح من الأحاديث النبوية غنية عن الاحتجاج بها.
ويتبع بتوفيق الله ومشيئته ذكر الأحاديث المتواترة فى هذا النهى، والله المستعان وعليه التكلان.
¥