قال أبو الحسن الميموني عن أحمد بن حنبل: لا تضمُ أحداً إلى مَعْمَرٍ إلا وجدتَه يتقدمه في الطلب، كان من أطلب أهل زمانه للعلم. وقال أبو طالب أحمد بن حميد قال أحمد بن حنبل: لا تضم مَعْمَرَاً إلى أحدٍ، إلا وجدتَ مَعْمَرَاً أطلبَ للعلم منه.
لكن قلَّ أحد يعتمد على حفظه إلا خانه. وقد كان معمر بهذه السبيل من الاعتماد على الحفظ، مع كثرة أسفاره، ومفارقته أصوله، ولذا ظهرت الأوهام فى أحاديثه عن غير أهل بلده. قال ابن أبى حاتم ((الجرح والتعديل)) (8/ 256): سمعت أبى يقول: معمر بن راشد ما حدَّث بالبصرة ففيه أغاليط، وهو صالح الحديث. وقال يعقوب بن سفيان: حدثنا زيد بن المبارك عن محمد بن ثور عن معمر قال: سقطت مني صحيفة الأعمش، فإنما أتذكر حديثه، وأحدِّثُ من حفظي.
وما أبين كلام الحافظ الذهبى وأوضحه فى هذا، فقد قال فى ((الرواة الثقات المتكلم فيهم)) (ص166): ((معمر بن راشد أبو عروة إمام ثقة. قال أبو حاتم: صالح الحديث، وما حدَّث بالبصرة ففيه أغاليط. قلت: مَا نَزَالُ نَحْتَجُّ بِمَعْمَرٍ، حتَّى يَلُوحَ لَنَا خَطَؤُهُ، بِمُخَالَفَةِ مَنْ هُو أَحْفَظُ مِنْهُ أَوْ مَنْ نَعُدُّهُ مِنِ الثِّقَاتِ)). وقال فى ((سير الأعلام)) (7/ 12): ((ومع كون معمر ثقة ثبتاً، فله أوهام، لا سيما لما قدم البصرة لزيارة أمِّه، فإنَّه لم يكن معه كتبه، فحدَّث عن حفظه، فوقع للبصريين عنه أغاليط، وحديث هشام بن يوسف وعبد الرزاق عنه أصح، لأنهم حدَّثوا عنه من كتبه)).
ومثل أوهام معمر مما يُحتملُ ولا يُستنكرُ إذا قورن بكثرة ما أتقنه وضبطه، مع التنوع البديع المثال، البعيد المنال: الحديث والفقه والتفسير والرقائق والْمُلَح، فكأنه الزهرىّ وعبد الله بن طاووس اجتمعا فى ذاتٍ واحدة وعقلِ واحد.
[ثانيهما] لا تحسبنَّ ـ أخى الحبيب ـ أننى أطلقت القول بالغرابة على هذا الإسناد عن غير بصيرةٍ، أو بمجرد الاستدلال بقول إمام التزكية أبى زكريا يحيى بن معين عن معمر ((إذا حدَّثك معمر عن العراقيين فخفه، إلا عن ابن طاووس والزهري، فإن حديثه عنهما مستقيم، فأما أهل الكوفة والبصرة فلا، وما عمل في حديث الأعمش شيئاً، وحديثه عن ثابت وعاصم وهشام بن عروة مضطرب كثير الأوهام))، كما قاله أبو بكر بن أبى خيثمة عن أبى زكريا.
على أن كلام أبى زكريا هذا بالغٌ غاية التحقيق والتمحيص، وقد أطلتُ فى بيان: معناه، ومضمونه، ودلالته فى كتابى ((إتحاف الألحاظ ببيان أوهام الحفاظ))، كما فعلت مثله مع قول الإمام الحجَّة أبى زرعة الرازى عن إمام الحفاظ الأثبات شعبة بن الحجاج ((أكثر وهم شعبة فى أسماء الرجال)).
فما استغربت حديث مَعْمَرٍ هذا إلا بعد الوقوف على علِّته، والذى ذكرته آنفاً هو كلامٌ مقتضبٌ عن أصل البحث، وتحقيق أحاديث الباب، استجابةً لمن طلب منى أن أكتب له تحقيقاً، ليلحقه بمصنفٍ له فى هذه المسألة، وقد أجبته لطلبته بأطول مما هنا.
فقد أبان علَّةَ حديث مَعْمَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ: عَلِيُّ بْنُ المُبَارَكِ الهنائى.
فقد أخرج ابن أبي شيبة (3/ 520/16703) قال: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُبَارَكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ: أنَّ رَجُلاً اختلى بامرأته في طَرِيقٍ، فَجَعَلَ لَهَا عُمَرُ الصَّدَاقَ كَامِلاً.
قلت: وهذا أشبه بالحديث، فإن على بن المبارك أوثق بحديث يحيى بن أبى كثير وأعرف. وهو مرسل رجاله كلهم ثقات، ابن ثوبان فما فوقه.
ـ[أبو محمد الألفى]ــــــــ[05 - 12 - 04, 06:54 م]ـ
الحمد لله تعالى. والصلاة الزاكية على محمَّدٍ تتوالى. وبعد ..
الشيخ الموفق / ابن وهب.
بارك الله فيكم .. وفقتم وهديتم .. ويسَّركم الله لكل خير.
¥