الوجه الثالث: ما ذكره الزرقاني على المواهب أنه وقع عند الواقدي في حديث جابر وكان عمر قد ترك صورة إبراهيم فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم رآها فقال: "يا عمر ألم آمرك أن لا تدع فيها صورة، قاتلهم الله جعلوه شيخاً يستقسم بالأزلام". ثم رأى صورة مريم فقال: "امحوا ما فيها من الصور، قاتل الله قوماً يصورون ما لا يخلقون". وهذا ظاهر في شدة إنكاره صلى الله عليه وسلم للصور التي رآها في الكعبة ومنها صورة مريم. ويدل على تشديده في الإنكار ثلاثة أمور: أحدها: إنكاره صلى الله عليه وسلم على عمر رضي الله عنه حير ترك بعض الصور فلم يمحها، والثاني: أمره بمحو الصور بدون استثناء. والثالث: دعاؤه على المصورين.
وفي معنى قوله: "قاتلهم اللهُ" أقوال:
أحدها: لعنهم الله قاله ابن عباس رضي الله عنهما واختاره البخاري.
الثاني: قتلهم الله قال ابن جريج.
الثالث: أنه ليس على تحقيق المقاتلة ولكنه بمعنى التعجب حكاه البغوي في تفسيره. قال الراغب الأصفهاني: "والصحيح أن ذلك هو المفاعلة, والمعنى صار يحيث يتصدى لمحاربة الله فإن من قاتل الله فمقتول, ومن غالبه فهو مغلوب" انتهى.
الوجه الرابع: أن تصوير الصور واتخاذها من أعظم المنكرات, وتغيير المنكر واجب بحسب القدرة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان" رواه الإمام أحمد وأبو داود الطيالسي ومسلم وأهل السنن من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح"، وفي رواية النسائي: "من رأى منكراً فغيره بيده فقد برئ, ومن لم يستطع أن يغيره بيده فغيره بلسانه فقد برئ، ومن لم يستطع أن يغيره بلسانه فغيره بقلبه فقد برئ وذلك أضعف الإيمان".
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أشد الناس غيرة على انتهاك المحرمات وأشدهم في إنكار المنكرات وتغييرها, ومن المحال أن يرى المنكر وهو قادر على تغييره فلا يغيره، فضلاً عن أن يأمر بإبقائه, ومن ظن أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ببقاء شيء من الصور التي في الكعبة ونهى أن يمحى فقد ظن به ظن السوء.
الوجه الخامس: أن النبي صلى الله عليه وسلم: نهى عن التصوير كما في المسند وجامع الترمذي عن جابر رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصور في البيت ونهى الرجل أن يصنع ذلك" قال الترمذي: "حديث حسن صحيح".
وروى الإمام أحمد أيضاً والبخاري في تاريخه بأسانيد جيدة عن معاوية رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "نهى عن التصاوير". وما كان النبي صلى الله عليه وسلم لينهى عن التصوير ثم يقر بعضه ويأمر بإبقائه، هذا من أبطل الباطل.
الوجه السادس: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل على عائشة رضي الله عنها ورأى القرام الذي فيه التصاوير هتكه وتلون وجهه, قالت عائشة رضي الله عنها: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سترت سهوة لي بقرام فيه تماثيل فلما رآه هتكه وتلون وجهه وقال: "يا عائشة أشد الناس عذاباً عند الله يوم القيامة الذي يضاهون بخلق الله" رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه، وهذا لفظ مسلم. وفي رواية النسائي: "بقرام فيه تصاوير", وفي رواية ابن ماجه: "بستر فيه تصاوير", وفي رواية لمسلم قالت: "دخل النبي صلى الله عليه وسلم عليّ وقد سترت غطاء فيه تصاوير فنحاه فاتخذت عنه وسادتين".
وإذا كان التبي صلى الله عليه وسلم قد هتك الستر الذي في بيت عائشة رضي الله عنها من أجل التصاوير، فكيف يظن به أنه يقر التصاوير في بيت الله تعالى ويأمر بإبقائها.
الوجه السابع: أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن المصورين وأخبر أنهم أشد الناس عذاباً يوم القيامة كما في حديث أبي جحيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم "لعن المصورين" رواه الإمام أحمد وأبو داود الطيالسي.
وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أشد الناس عذاباً عند الله يوم القيامة الذي يضاهون بخلق الله" متفق عليه.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفس فتعذبه في جهنم" رواه مسلم.
¥