تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثم قال الأزرقي: حدثني جدي قال حدثنا داود بن عبد الرحمن عن عمرو بن دينار قال: "أدركت في بطن الكعبة قبل أن تهدم تمثال عيس بن مريم وأمه".

فجوابه: أن يقال قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يأتي الكعبة فيمحو كل صورة فيها ولم يستثن شيئاً من الصور. وثبت أيضاً من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم البيت فوجد فيه صورة إبراهيم وصورة مريم فقال صلى الله عليه وسلم: "أما لهم فقد سمعوا أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة هذا إبراهيم مصور فما له يستقسم". وثبت أيضاً عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكعبة ورأى صوراً قال: فدعا بدلة من ماء فأتيته به فجعل يمحوها ويقول: "قاتل الله قوماً يصورون ما لا يخلقون". وقد تقدم ذكر هذه الأحاديث الثلاثة قريباً. وتقدم أيضاً ما ذكره الزرقاني على المواهب أنه وقع عند الواقدي في حديث جابر وكان عمر قد ترك صورة إبراهيم فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم رآها فقال: " يا عمر ألم آمرك أن لا تدع بها صورة قاتلهم الله جعلوه شيخاً يستقسم بالأزلام"، ثم رأى صورة مريم فقال: "محوا ما فيها من الصور قاتل الله قوماً يصورون ما لا يخلقون" ..

وعلى هذا فيحتمل أن تكون صورة مريم وعيسى محفورة في عمود البيت بحيث لا يذهبهما الغسل بالماء، فلهذا بقيت إلى أن احترق البيت في عهد ابن الزبير، ويحتمل أن تكون مصبوغة بصبغ ثابت لا يذهبه الماء أو أنه قد ذهب بعض الصبغ حين محيت بالماء في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وبقي منه بقية تظهر منه الصورة. وقد تقدم عن عطاء أنه أدرك أيضاً صورتين من الصور التي كانت في الكعبة وأنهما قد درستا وأنه رأى الطمس عليهما. فلعل صورة مريم وعيسى كانت كذلك. ويحتمل أن يكون قد ألزق عليهم ما يمنع من رؤيتهما فخفيت على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى الخلفاء الراشدين وعلى غيرهم من الصحابة ورآها عطاء وعمرو بن دينار بعدما أزيل عنها ما يمنع من رؤيتها.

ويحتمل أن يكون بعض النصارى وضعها بعد زمان النبي صلى الله عليه وسلم وبعد زمان الخلفاء الراشدين، ولا سيما في زمن الفتنة التي كانت في زمن يزيد بن معاوية فقد يتسمى بعض النصارى بالإسلام بحيث لا يرد عن دخول مكة ودخول الكعبة فيصور صورة مريم وعيسى ليفتن المسلمين بذلك ويوهمهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أقر صورتهما، ويحتمل أن يكون ذلك من عمل بعض من أسلم من النصارى بعد زمان النبي صلى الله عليه وسلم وزمان الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم والله أعلم.

وليس في بقاء صورة مريم وعيسى في الكعبة بعد زمان النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أقر ذلك، فإنه صلى الله عليه وسلم لا يقر المنكر ولا يرضى به وقد قال الله تعالى في صفته {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَر} (الأعراف: 157).

والمقصود هنا أنه لا يجوز أن يظن بالنبي صلى الله عليه وسلم أنه يقر شيئاً من الصور أو يأمر بإبقائها، ومن ظن ذلك فقد ظن بالنبي صلى الله عليه وسلم ما لا يليق به.

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

حمود بن عبد الله التويجري

15/ 4/1398هـ

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير