ويراد به أيضاً التوجع من الوقوع في مكروه (). ومنه قول سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في قول النبي e له: ((لكن البائس سعد بن خولة))، يرثي له رسول الله e أن مات بمكة ().
رابعاً: التأبين
وهو في اللغة من أَبَنَ الرجل تأبيناً، أي:" مدحه بعد موته وبكاه" ().
المبحث الثاني: أقسام النعي وصوره
المطلب الأول: النعي في كلام أهل العلم
النعي وهو الإخبار بموت الميت إما أن يكون إعلاماً مجرداً، وإما أن يكون إعلاماً بنداء ونحوه، ولكل منهما حكم.
المسألة الأولى: الإعلام بالموت مجرداً
ذهب جمهور أهل العلم من الحنفية ()، والمالكية ()، والشافعية ()، والحنابلة ()، وغيرهم () إلى جواز الإعلام بالموت من غير نداء؛ لأجل الصلاة.
بل ذهب جماعة من العلماء إلى استحباب ذلك ().
واستدلوا بما في الصحيحين () من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي e نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه، وخرج بهم إلى المصلى فصف بهم وكبر أربعاً.
واستدلوا أيضاً بما أخرج الشيخان () من حديث أبي هريرة t أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد أو شاباً، ففقدها رسول الله e، فسأل عنها أو عنه. فقالوا: مات، فقال e: (( أفلا كنتم آذنتموني)).
وهذان الحديثان ظاهران في إباحة الإعلام بالموت لأجل الصلاة، بل هما دالان على الاستحباب، ولأن ذلك وسيلة لأداء حقه من الصلاة عليه واتباع جنازته.
ومما يدل على جواز إعلام من لم يعلم بموت الميت لمصلحة غير الصلاة عليه ما في صحيح البخاري من حديث أنس t وفيه أن النبي e: نعى زيداً وجعفراً وابن رواحة للناس قبل أن يأتي خبرهم، فقال: ((أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذ جعفر فأصيب، ثم أخذ ابن رواحة فأصيب، وعيناه تذرفان حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله حتى فتح الله عليهم)) (). ففي هذا الحديث نعى النبي e هؤلاء الثلاثة رضي الله عنهم، ولم يكن ذلك النعي لأجل الصلاة عليهم إنما لأجل إخبار المسلمين بخبر إخوانهم وما جرى لهم في تلك الوقعة. وعليه فيجوز الإعلام بالموت لكل غرض صحيح كالدعاء له وتحليله وما أشبه ذلك (). وليس ذلك من النعي الذي نهى عنه رسول الله r، بل إن بعض ذلك مما دلت النصوص على فضله واستحبابه، فقد أجمع أهل العلم على أن شهود الجنائز خير وبر وفضل، وأجمعوا على أن الدعاء إلى الخير من الخير، قال ابن عبدالبر:" وكان أبو هريرة يمر بالمجالس، فيقول: إن أخاكم قد مات فاشهدوا جنازته" ().
وذهب جماعة من أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم () كحذيفة بن اليمان رضي الله عنه إلى عدم الإخبار بموت الميت خشية أن يكون ذلك من النعي الذي نهى عنه رسول الله r. قال البيهقي:" ويروى في ذلك عن ابن مسعود وابن عمر وأبي سعيد ثم عن علقمة وابن المسيب والربيع بن خثيم وإبراهيم النخعي" ().
واستدلوا بما جاء عن حذيفة t أنه قال: إذا مت فلا تؤذنوا بي أحداً، إني أخاف أن يكون نعياً، فإني سمعت رسول الله e ينهى عن النعي. رواه أحمد والترمذي وابن ماجه. وقال عنه الترمذي: هذا حديث حسن صحيح (). وقد حسنه الحافظ ابن حجر ().
ولما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله e:(( إياكم والنعي، فإن النعي من عمل الجاهلية)) (). قال عبدالله في بيان معنى النعي: أذان بالميت (). فالنداء ورفع الصوت في الإخبار بموت الميت من فعل أهل الجاهلية ().
وقد حمل النووي ما ورد عن هؤلاء على الكراهة ().
وعند التأمل والنظر يتبين أن النهي الوارد عن النعي لا يعارض ما جاء عن النبي e من نعي النجاشي ونعي الأمراء على المنبر، فإن النعي المنهي عنه في قول حذيفة t : سمعت رسول الله e ينهى عن النعي إنما هو في نعي الجاهلية، فالألف واللام للعهد الذهني، وهو ما كان معروفاً في الجاهلية من النعي، فلقد" كان من عادتهم إذا مات منهم شريف بعثوا راكباً إلى القبائل يقول: نعايا فلان، أو يانعايا العرب، أي: هلكت العرب بمهلك فلان، ويكون مع النعي ضجيج وبكاء" ().
فيكون النعي المنهي عنه محمولاً" على النعي لغير غرض ديني مثل إظهار التفجع على الميت وإعظام حال موته. ويحمل النعي الجائز على ما فيه غرض صحيح مثل طلب كثرة الجماعة تحصيلاً لدعائهم ... " ()، وما أشبه ذلك.
¥