ـ[أبو عبد الباري]ــــــــ[23 - 04 - 05, 01:53 م]ـ
الحلقة الثانية:
القول بأن أطفال المشركين في النار وأدلته
قال ابن تيمية في الفتاوى (4/ 303): وطائفة من أهل الحديث وغيرهم قالوا: إنهم كلهم في النار أهـ، وقال ابن القيم في طريق الهجرتين (ص 637 - 638): وهو قول جماعة من المتكلمين وأهل التفسير وأحد الوجهين لأصحاب أحمد، وحكاه القاضي نصا عن أحمد أهـ، لكن قال ابن تيمية: وهو غلط، وقال في درء التعارض (8/ 398) مبينا سبب الغلط: ولم ينقل أحد قط عن أحمد أنه قال: هم في النار، ولكن طائفة من أتباعه كالقاضي أبي يعلى وغيره لما سمعوا جوابه بأنه قال " الله أعلم بما كانوا عاملين " ظنوا أن هذا من تمام حديث مروي عن خديجة رضي الله عنها أنها سالت النبي صلى الله عليه وسلم عن أولادها من غيره؟ فقال " هم في النار " فقالت: بلا عمل؟ فقال " الله أعلم بما كانوا عاملين " فظن هؤلاء أن أحمد أجاب بحديث خديجة، وهذا غلط على أحمد، فإن حديث خديجة هذا حديث موضوع كذب لا يحتج بمثله أقل من صحب أحمد، فضلا عن الإمام أحمد أهـ.
وهذا القول نسبه النووي للأكثرين في شرح مسلم (16/ 207) وقال السبكي في رسالته (ص 24): وفي هذه النسبة نظر اهـ.
وقريب من هذا القول – كما تقدم – قول من قال أن حكمهم حكم آبائهم في الدنيا والآخرة.
وذكر ابن القيم في طريق الهجرتين (ص 649) فرقا بين هذين القولين فقال: والفرق بين هذا المذهب- أي مذهب التبعية للآباء - ومذهب من يقول هم في النار، أن صاحب هذا المذهب يجعلهم معهم تبعا لهم، حتى لو أسلم الأبوان بعد موت أطفالهما لم يحكم لأفراطهما بالنار، وصاحب القول الآخر يقول هم في النار لكونهم ليسوا بمسلمين، لم يدخلوها تبعا أهـ.
قال أبو عبد الباري: الذي يعنينا هنا هو الحكم عليهم بالنار سواء على الإنفراد أو على التبعية لآبائهم، وليس المقصود عندنا تحرير تفاصيل الأقوال، بل المقصود عندي هو تحرير الحكم ومناقشة الدليل، وعليه فهذان القولان يعتبران قولا واحدا في أن أطفال المشركين في النار، لأن من أسلم – على المذهب الآخر – يصير أطفاله أطفال مسلم، ومن مات على الكفر فأطفاله في النار، بل قد يدخل فيمن مات طفله وهو على الإسلام ثم ارتد عن الإسلام ومات على الكفر، فقياسه أن يحكموا لأطفاله بالنار والله أعلم.
وجملة ما ورد من الأحاديث في هذه المسألة – فيما رأيت - ستة أحاديث عن خمسة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم جميعا، وهم عائشة وابن مسعود وسلمة بن يزيد الجعفي وخديجة وعلي بن أبي طالب وسهل بن أبي حثمة عن أبيه، وهذه أحاديثهم:
الحديث الأول: عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لو شئت لأسمعتك تضاغيهم في النار – يعني الأطفال ".
رواه أحمد (6/ 208) والطيالسي في مسنده (رقم 1576) وابن عبد البر في التمهيد (18/ 122) وابن الجوزي في العلل المنتاهية (2/ 441 - 442 رقم 1541) من طريق حجاج بن إبراهيم عن أبي عقيل يحيى بن المتوكل عن بهية عن عائشة به.
وهذا إسناد ضعيف جدا، وفيه أبو عقيل يحيى بن المتوكل مولى بهية، وهو متروك كما في ترجمته، ولهذا قال الحافظ في الفتح (3/ 290): وهو حديث ضعيف جدا أهـ، قال ابن عبد البر في التمهيد: أبو عقيل هذا صاحب بهية لا يحتج به عند أهل العلم بالنقل أهـ، و به ضعفه الهيثمي في المجمع (7/ 217)، والألباني في ظلال الجنة (1/ 95) والأرناؤط في تحقيق العواصم لابن الوزير (7/ 248) وقال ابن الجوزي في العلل: لا يصح وأعله بما تقدم، وقال ابن القيم في حاشيته على سنن أبي داود (12/ 316 عون المعبود) بعد ذكره لحديث عائشة هذا: حديث واه يعرف به واه وهو أبو عقيل أهـ والله أعلم.
الحديث الثاني: عن سلمة بن يزيد الجعفي رضي الله تعالى عنه سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن امرأة ماتت في الجاهلية ووأدت بنتها؟ فقال: الوائدة والموءودة في النار ".
رواه أحمد (3/ 478) والنسائي في التفسير (رقم 669) والبخاري في التاريخ الكبير (4/ 72) والطبراني في الكبير (7/ رقم 6319) وابن عبد البر في التمهيد (18/ 119) والمزي في تهذيب الكمال (11/ 330 - 331) وعزاه لأبي داود في القدر، كلهم من طريق داود بن أبي هند عن الشعبي عن علقمة عن سلمة بن يزيد به.
¥