تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لفظ خليفة (فعيلة) يجيء بمعنى (مفعولة) كنقيذة بمعنى منقوذة وسقيفة بمعنى مسقوفة وقل مثل ذلك في ذبيحة وقتيلة وضريبة ... كما يأت بمعنى (فاعلة) رحيمة بمعنى راحمة، وظعينة بمعنى ظاعنة، وقد أشار إلى إتيان خليفة على الوجهين القرطبي في تفسيره آية البقرة (إني جاعل في الأرض) [1/ 63]، ومثل كلمة خليفة لفظة (نصيرة) فقد ترد بمعنى فعيلة وقد تأت بمعنى فاعلة لأن كل واحد من المتناصرين ناصر ومنصور، وهناك ألفاظ اختلف أهل العلم عليها هل هي بمعنى مفعولة أو فاعلة كبهيمة.

فإذا قلت خليفة الله فعيلة بمعنى فاعلة، من خلف يخلف خلفاً فهو خالف، يكون المعنى خالف الله وهذا معنى ظاهره باطل مردود لايصح إلاّ بتأويل وقد قال به بعض أجلة أهل العلم في زماننا مأولاً له بقوله: "خالف لنا في تبليغ شرعنا، وليس المراد أنه يأتي بعده ولكن خليفة لله في تبليغ شرعه وحكمه للناس" [ابن عثيمين في تفسير قوله: (ياداود إنا جعلناك خليفة)].

وإذا قلت فعيلة هنا بمعنى مفعولة، من خلف يخلف خلفا فهو مخلوف ومستخلف، فالإخبار يصح إن كان خليفة المسلمين قائم بأمر من استخلفه، وإلاّ فلا لأن الفاسق ينبغي أن يعزل في حكم الشريعة إن أمكن ذلك بغير خروج عليه، وإذا كان عزله مطلوباً فترك وصفه بماينبغي عزله عنه مطلوب، وقد نص ابن خويز منداد من المالكية على أن الظالم لايصلح أن يكون خليفة ولاحاكما ولامفتيا استدلالاً بقول اله تعالى: (إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي قال لاينال عهدي الظالمين) الآية وقد استدل بها غيره، وللمفسرين أقوال يمكن جمعها مع هذا القول فهي إلى اختلاف تنوع الأفراد أقرب. مع أن بعض المحققين من أهل العلم قال بجواز إطلاق اللفظ مالم يقصد معنى باطلاً ومن هؤلاء فضيلة العلامة محمد بن صالح العثيمين في المناهي اللفظية له حيث ورد هذا السؤال، فأجاب بقوله: إذا كان ذلك صدقاً بأن كان هذا الرجل خليفة يعني ذا سلطان تام على البلد، وهو ذو السلطة العليا على أهل هذا البلد، فإن هذا لا بأس به، ومعنى قولنا: "خليفة الله" أن الله استخلفه على العباد في تنفيذ شرعه لا لأن الله تعالى استخلفه على الأرض، والله سبحانه وتعالى مستخلفنا في الأرض جميعاً وناظر ما كنا نعمل، وليس يراد بهذه الكلمة أن الله تعالى يحتاج إلى أحد يخلفه في خلقه أو يعينه على تدبير شؤونهم ولكن الله جعله خليفة يخلف من سبقه، ويقوم بأعباء ماكلفه الله.

وعلى ما قرره فضيلته يكون من أطلق اللفظ على الفاسق مراعياً المشيئة الكونية لا الشرعية فقوله معتبر، وقد سمعت للشيخ –رحمه الله- كلاماً مفاده جواز إطلاقها إن أريد خليفة لله أي قائم بأمر الله في عباده.

وهذا ما قرره ابن القيم في مفتاح دار السعادة [1/ 152] فقد حكى قول الفريق المجيز وذكر أدلته وسرد النصوص التي تفيد استخلاف الله للإنسان في الأرض كقوله تعالى: (يادواد إنا جعلناك خليفة) (إني جاعل في الأرض خليفة)، (عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض) وغيرها من آثار تناقلتها رواة الأخبار، ثم ذكر اعتراض المانعين بأن الخليفة إنما يكون عمن يغيب ويخلفه غيره في الحكم والتدبير، ثم قال [1/ 152]: "وحقيقتها خليفة الله الذي جعله خلفاً عن غيره، وبهذا يخرج الجواب عن قول أمير المؤمنين: أولئك خلفاء الله في أرضه"، ولعلك ترى في هذا التخريج رداً على من منع بزعمه: "الخليفة إنما يكون عمن يغيب ويخلفه غيره" [السابق]، فقد بين ابن القيم على أن حصر المراد فيما ذكروا غير لازم، ثم خرج العبارة على مراد آخر لاحرج فيه عنده وهو خليفة بمعنى مستخلف؛ "جعله الله خلفاً لغيره".

وقد ذكر الفيومي وجهاً آخر في تخريجها فقال في المصباح المنير: " قال بعضهم ولا يقال خليفة الله بالإضافة إلا لآدم وداود لورود النص بذلك. وقيل يجوز وهو القياس لأن الله تعالى جعله خليفة كما جعله سلطانا وقد سمع سلطان الله وجنود الله وحزب الله وخيل الله والإضافة تكون بأدنى ملابسة. وعدم السماع لا يقتضي عدم الاطراد مع وجود القياس ولأنه نكرة تدخله اللام للتعريف فيدخله ما يعاقبها وهو الإضافة كسائر أسماء الأجناس" [ص178]. ولعل هذا وجهاً آخر في تخريج الجملة على معنى صحيح غير الأول الذي أشار إليه ابن القيم، وكأن الفيومي يرى الإضافة هنا إضافة تشريف أو إيجاد، وقد قرر أهل العلم أن الإضافة إلى الله تكون

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير