قال الجوزجاني: " كان يخاصم في الإرجاء، داعية، وهو متماسك " (908).
4 _ عبد الرحمن بن صالح الأزدي.
قال يعقوب بن يوسف المطوعي (وكان ثقة): كان عبد الرحمن بن صالح الأزدي رافضياً، وكان يغشى أحمد بن حنبل، فيقربه ويدنيه، فقيل له: يا أبا عبد الله، عبد الرحمن رافضي، فقال: " سبحان الله! رجل أحب قوما من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم نقول له: لا تحبهم؟! هو ثقة " (909).
وكان يحيى بن معين يعلم تشيعه، بل نعته بذلك، ومع فقد كتب حديثه وروى عنه، ووثقه، وكذلك وثقه غيره (910).
مع أن أبا داود السجستاني قال: " لم أر أن أكتب عنه، وضع كتاب مثالب في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم " (911).
5 _ عمران بن حطان.
قال أبو داود السجستاني: " ليس في أهل الأهواء أصح حديثاً من الخوارج " ثم ذكر عمران بن حطان، وأبا حسان الأعرج (912).
6 _ عباد بن يعقوب الرواجني.
وشأنه في الغلو في الرفض والدعوة إليه مشهور، ومن أبينه ما حكاه الثقة المتقن القاسم بن زكريا المطرز، قال:
وردت الكوفة، وكتبت عن شيوخها كلهم غير عباد بن يعقوب، فلما فرغت ممن سواه دخلت عليه، وكان يمتحن من يسمع منه، فقال لي: من حفر البحر؟ فقلت: الله خلق البحر، فقال: هو كذلك، ولكن من حفره، فقلت: يذكر الشيخ، فقال: حفره علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، ثم قال: من أجراه؟ فقلت: الله، مجري الأنهار، ومنبع العيون، فقال: هو كذلك، ولكن من أجرى البحر؟ فقلت: يفيدني الشيخ، فقال: أجراه الحسين بن علي، (وذكر تمام القصة) (913).
وجاء أنه كان يشتم عثمان بن عفان، رضي الله عنه، وقال ابن حبان: " كان رافضياً داعية إلى الرفض " (914).
قلت: ومع ذلك فخرج حديثه البخاري في " الصحيح "، وحكم بثقته غير واحد.
7 _ الحسين بن الحسن الأشقر.
قال ابن الجنيد عن يحيى بن معين: " كان من الشيعة المغلية الكبار "، قلت: فكيف حديثه؟ قال: " لا بأس به "، قلت: صدوق؟ قال: " نعم، كتبت عنه " (915).
قلت: فهذه المناهج لهؤلاء الأعلام من أئمة الحديث صريحة في عدم الاعتداد بالبدعة قادحاً في العدالة، ومن أجل هذا جرت ألفاظهم بالتعديل لهؤلاء الرواة مع ما عرفوا به من البدعة.
والتأويل بالبدع أوسع منه في المعاصي؛ لأن وجه المخالفة بها للشرع خفي، فإذا كنا عذرنا بالمخالفة تأويلاً في المنهيات الصريحة في الشرع كقتل المسلم، كالذي حصل بين الصحابة، فالعذر فيما كان وجه المخالفة في خفياً أولى، وإنما تكون العبرة بالصدق والإتقان، فإذا ثبت فحديثه مقبول.
قال ابن جرير الطبري: " لو كان كل من ادعي عليه مذهب من المذاهب الرديئة ثبت عليه ما ادعي به، وسقطت عدالته وبطلت شهادته بذلك؛ للزم ترك أكثر محدثي الأمصار؛ لأنه ما منهم إلا وقد نسبه قوم إلى ما يرغب به عنه " (916).
قلت: وإنما يخرج من هذا التأصيل: من كان من الرواة طعن عليه لبدعته وحديثه جيمعاً، فهذا مجروح من أجل حديثه، وذلك مثل: جابر الجعفي، وعمرو بن عبيد البصري.
قال سفيان بن عيينة: " كان الناس يحملون عن جابر قبل أن يظهر ما أظهر، فلما أظهر ما أظهر اتهمه الناس في حديثه، وتركه بعض الناس " فقيل له: " وما أظهر؟ قال: " الإيمان بالرجعة " (917).
قلت: فكأن سفيان جعل اتهامه في حديثه من أجل بدعته، والواقع أنه لا تلازم بينهما، لجواز أن يكون صاحب بدعة صدوقاً، كما تقدمت له أمثلة، وإنما المعنى أنه بعدما ظهرت منه هذه العقيدة ظهر منه في روايته ما اتهم فيه.
وكذلك القول في عمر بن عبيد، مع ظهور الفسق وضعف التأويل في بعض ما جاء عنه، فقد تكلم بما لا يحتمل (918).
ولا ريبة أن كثير من أهل البدع نصروا مذاهبهم برواية النكرات إسناداً ومتناً، وجماعات منهم عرفوا بوضع الحديث لأجل ذلك.
وهو المعنى الذي خافه من شدد فرد أحاديث أهل البدع.
لكن مادامت الخشية محصورة في كون صاحب البدعة قد تدفعه بدعته إلى المجيء بالمنكرات من الروايات نصرة لتلك البدعة، فالأمر إذاً عائد إلى القول في روايته، فإذاً تحرر لنا صدقه، وسلامة روايته من النكارة، فقد ذهب المحذور.
فمن قال من المتأخرين: إذا روى صاحب البدعة ما تعتضد به بدعته رد، وإن روى غير ذلك قبل.
¥