ذكر من لم يروٍ إلا حديثاً واحداً.
ـ[لطفي بن محمد الزغير]ــــــــ[24 - 06 - 05, 07:40 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى وصلاة وسلام على نبيه المصطفى، وآله وصحبه وبعد:
فإنَّ موضوع من لم يروِ عنه إلا راوٍ واحد موضوع طريف من موضوعات علم الحديث، والجرح والتعديل والحكم على الرجال، ذلك أن هناك رواة لم يروِ الواحد منهم إلا حديثاً واحداً، فلا يعرف إلا بهذا الحديث، وغالباً ما لا يعرف الحديث إلا به، فأحببت أن أجمع هؤلاء الرواة لأبين أن الحكم عليهم حكم على الحديث والعكس، لا سيما وأني وجدت من كلام الأقدمين كلام في الحديث وإهمال للراوي، وأحياناً العكس نجد كلاماً على الراوي دون الحديث.
وعند الدخول إلى لجة هذا الموضوع تكشفت لي جوانب لا تظهر إلا بالبحث والاستقراء وليس بمجرد التصور، كأن يكون الحديث رواه فلان عن فلان وكلاهما ليس له إلا هذا الحديث، أو أن يكون في السند مع هذا الراوي راوٍ آخر متكلم فيه، فمن الذي سيضعف الحديث لأجله؟
ولقد فوجئت بعدد كبير من الرواة تنطبق عليه هذه الحالة في كل الطبقات، ولهذا فقد شرطت على نفسي أن لا أدخل الصحابة الذين رووا حديثاً واحداً نظراً لأن قصدي من ذلك أن أصل إلى حكم على الحديث من خلال هذه الحالة، والصحابي لا يضره أروى حديثاً واحداً أم لم يروِ البتة،ثُم إن الصحابة المقلين كانت لهم أسبابهم في ذلك ليس هذا موضع سردها، ثم إنَّه قد اعتُني بمن روى حديثاً واحداً من الصحابة في كتب المنفردات والوحدان، وفي كتب المسانيد كمسند أحمد وغيره نجد جملة وافرة ممن روى حديثاً واحداً من الصحابة، لقد سمى بقي ابن مخلد كل من روى حديثاً واحداً من الصحابة في رسالة ذكر فيها عدد ما لكل صحابي من الأحاديث، وحقق هذه الرسالة د. أكرم ضياء العمري قبل فترة من الزمن، ولن أذكر كذلك من اختلف في صحبته، إلا أن كان الاختلاف ناشئاً عن وهمٍ أو خطأ، فيكون ذكره تصحيحاً للخطأ أو الوهم، وبيان روايته.
وتزداد أهمية الموضوع عندما يُذكر راوٍ وينص إمام على أنَّ فلاناً لم يرو إلا حديثاً واحداً، ونجد غيره ممن جاء بعده يذكر له أكثر من حديث، مما يجعلنا ننظر أولاً بعين الريبة لهذا الزائد عن الواحد، لأن إماماً بمثل حفظ البخاري أو ابن المديني أو ابن معين وغيرهم من الجبال لا يمكن أن يقول هذه المقولة إلا بعد جمع واستقراء مرويات هذا الراوي، فيكون ذكر رواية أخرى أو أكثر لهذا الراوي هو من باب الخطأ، أو الوهم، وبالذات وهم الجمع، إذ قد يذكر حديثاً لراوٍ وهو يظنه صاحبنا المترجم له كما سيظهر عند دراستنا لأحاديث هذا البحث، إذ إنني قد وقفت على رواة حدد الأئمة مروياتهم والرواة عنهم، ثم نجد من يذكر غير هؤلاء الرواة، ويزيد في مروياتهم، نعم قد يكون الأمر ناشئاً عن وهم هذا الإمام أو ذاك لكنه نادر جداً.
ولأهمية هذا الموضوع وطرافته فقد أفرده السيوطي بالذكر في كتابه ((تدريب الراوي: 2/ 396 - 398)) فقال: ((النوع الحادي والتسعون: معرفة من لم يرو إلا حديثاً واحداً، هذا النوع زدته أنا، وهو نظير ما ذكروه فيمن لم يرو عنه إلا واحد، ثم رأيت أن للبخاري فيه تصنيفاً خاصاً بالصحبة، وبينه وبين الواحدان فرق، فإنه قد يكون روى عنه أكثر من واحد وليس له إلا حديث واحد، وقد يكون روى عنه غير حديث وليس له إلا راو واحد، وذلك موجود معروف.
ومن أمثلته في الصحابة: ابن أبي عمارة المدني، قال المزي: له حديث واحد في المسح على الخفين، رواه أبو داود وابن ماجه.
آبى اللحم الغفاري، قال المزي: له حديث واحد في الاستسقاء، رواه الترمذي والنسائي.
أحمد بن جزء البصري، قال المزي: له حديث واحد: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان إذا سجد جافى عضديه عن جنبيه، رواه أبو داود وابن ماجه، تفرد به عن الحسن البصري.
أدرع السلمي، قال المزي: له حديث: جئت ليلة أحرس النبي صلى اللّه عليه وسلم فإذا رجل قراءته عالية، الحديث رواه ابن ماجه.
بشير بن جحاش القرشي - ويقال بشر - قال المزي: صحابي شامي له حديث واحد: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بزق يوماً في كفه فوضع عليها أصبعه ثم قال: يقول اللّه: ابن آدم أنى تعجزني، الحديث رواه أحمد وابن ماجة.
¥