تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والأصل في كل ما يخرج من الرحم أنه حيض، حتي يقوم دليل على أنه استحاضة؛ لأن ذلك هو الدم الأصلي الجِبِلِّي، وهو دم تَرْخِيه الرحم، ودم الفساد دم عرق ينفجر، وذلك كالمرض، والأصل الصحة لا المرض. فمتي رأت المرأة الدم جارٍ من رحمها فهو حيض تترك لأجله الصلاة. ومن قال: إنها تغتسل عقيب يوم وليلة فهو قول مخالف للمعلوم من السنة وإجماع السلف؛ فإنا نعلم أن النساء كن يحضن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكل امرأة تكون في أول أمرها مبتدأة قد ابتدأها الحيض، ومع هذا فلم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم /واحدة منهن بالاغتسال عقب يوم وليلة. ولو كان ذلك منقولاً لكان ذلك حدًا لأقل الحيض، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يحد أقل الحيض باتفاق أهل الحديث. والمروي في ذلك ثلاث. وهي أحاديث مكذوبة عليه باتفاق أهل العلم بحديثه، وهذا قول جماهير العلماء، وهو أحد القولين في مذهب أحمد.

وكذلك المرأة المنتقلة إذا تغيرت عادتها بزيادة أو نقص أو انتقال فذلك حيض، حتي يعلم أنه استحاضة باستمرار الدم؛ فإنها كالمبتدأة.

والمستحاضة ترد إلى عادتها ثم إلى تمييزها، ثم إلى غالب عادات النساء، كما جاء في كل واحدة من هؤلاء سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أخذ الإمام أحمد بالسنن الثلاث. ومن العلماء من أخذ بحديثين، ومنهم من لم يأخذ إلا بحديث، بحسب ما بلغه، وما أدي إليه اجتهاده ـ رضي الله عنهم أجمعين.

والحامل إذا رأت الدم على الوجه المعروف لها فهو دم حيض بناء على الأصل.

والنفاس لا حد لأقله ولا لأكثره، فلو قدر أن امرأة رأت / الدم أكثر من أربعين أو ستين أو سبعين وانقطع فهو نفاس، لكن إن اتصل فهو دم فساد. وحينئذ فالحد أربعون؛ فإنه منتهي الغالب جاءت به الآثار.

ولا حد لسِنٍّ تحيض فيه المرأة، بل لو قدر أنها بعد ستين أو سبعين رأت الدم المعروف من الرحم لكان حيضًا. واليأس المذكور في قوله: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ} [الطلاق: 4]، ليس هو بلوغ سن، لو كان بلوغ سن لبينه الله ورسوله، وإنما هو أن تَيْأس المرأة نفسها من أن تحيض، فإذا انقطع دمها ويئست من أن يعود فقد يئست من المحيض ولو كانت بنت أربعين، ثم إذا تَرَبَّصَتْ وعاد الدم تبين أنها لم تكن آيسة، وإن عاودها بعد الأشهر الثلاثة فهو كما لو عاود غيرها من الآيسات والمستريبات. ومن لم يجعل هذا هو اليأس فقوله مضطرب إن جعله سنًا، وقوله مضطرب إن لم يحد اليأس لا بسن ولا بانقطاع طمع المرأة في المحيض، وبنفس الإنسان لا يعرف، وإذا لم يكن للنفاس قدر؛ فسواء ولدت المرأة تَوْأَمَين أو أكثر ما زالت تري الدم فهي نَفْسَاء، وما تراه من حين تشرع في الطَّلْقِ فهو نِفَاس، وحكم دم النفاس حكم دم الحيض.

ومن لم يأخذ بهذا، بل قَدَّر أقل الحيض بيوم، أو يوم وليلة، أو ثلاثة أيام، فليس معه في ذلك ما يعتمد عليه، فإن النقل في ذلك عن /النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه باطل عند أهل العلم بالحديث. والواقع لا ضابط له، فمن لم يعلم حيضًا إلا ثلاثًا قال غيره: قد علم يومًا وليلة، ومن لم يعلم إلا يومًا وليلة قد علم غيره يومًا، ونحن لا يمكننا أن ننفي ما لا نعلم، وإذا جعلنا حد الشرع ما علمناه فقلنا: لا حيض دون ثلاث أو يوم وليلة أو يوم؛ لأنا لم نعلم إلا ذلك، كان هذا وضع شرع من جهتنا بعد العلم؛ فإن عدم العلم ليس علمًا بالعدم، ولو كان هذا حدًا شرعيًا في نفس الأمر لكان الرسول صلى الله عليه وسلم أولي بمعرفته وبيانه منا، كما حَدَّ للأمة ما حده الله لهم من أوقات الصلوات والحج والصيام، ومن أماكن الحج، ومن نُصُبِ الزكاة وفرائضها، وعدد الصلوات وركوعها وسجودها. فلو كان للحيض ـ وغيره مما لم يقدره النبي صلى الله عليه وسلم ـ حد عند الله ورسوله لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم، فلما لم يحده دل على أنه رد ذلك إلى ما يعرفه النساء ويسمي في اللغة حيضًا؛ ولهذا كان كثير من السلف إذا سئلوا عن الحيض قالوا: سلوا النساء فإنهن أعلم بذلك، يعني: هن يعلمن ما يقع من الحيض وما لا يقع.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير