تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كل قبيلة حولهم حيطانهم ومزارعهم فإن اسم المدينة كان يتناول هذا كله.

ولهذا قال تعالى: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ} [التوبة: 101]، فجعل الناس قسمين: أهل بادية: هم الأعراب، وأهل المدينة، فكان الساكنون كلهم في المَدَرِ أهل المدينة، وهذا يتناول قباء وغيرها، ويدل على أن اسم المدينة كان يتناول ذلك كله، فإنه لم يكن لها سور كما هي اليوم. والأبواب تفتح وتغلق، وإنما كان لها أَنْقَاب، وتلك الأنقاب وإن كانت داخل قباء وغيرها، لكن لفظ المدينة قد يعم حاضر البلد، وهذا معروف في جميع المدائن. يقول القائل: ذهبت إلى دمشق أو مصر أو بغداد، أو غير ذلك، وسكنت فيها، وأقمت فيها مدة، ونحو ذلك، وهو إنما كان ساكنًا خارج السور. فاسم المدينة يعم تلك المساكن كلها، وإن كان الداخل / المُسَوَّر أخص بالاسم من الخارج.

وكذلك مدينة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان لها داخل وخارج، تفصل بينهما الأنقاب، واسم المدينة يتناول ذلك كله في كتاب اللّه ـ تعالى؛ ولهذا كان هؤلاء كلهم يصلون الجمعة والعيدين خلف النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه، لم تكن تقام جمعة ولا عيدان لا بقباء ولا غيرها، كما كانوا يصلون الصلوات الخمس في كل قبيلة من القبائل.

ومن هذا الباب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن بالمدينة لرجالا) هو يعم جميع المساكن.

وكذلك لفظ القرى الشامل للمدائن، كقوله: {وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ} [الأعراف: 4]، وقوله: {لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا} [الشورى: 7]، وقوله: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} [القصص: 59]، وقوله: {ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَآئِمٌ وَحَصِيدٌ} [هود: 100]، فإن هذا يتناول المساكن الداخلية والخارجية وإن فصل بينها سور، ونحوه؛ فإن البعث والإهلاك، وغير ذلك لم يخص بعضهم دون بعض، وعامة المدائن لها داخل وخارج.

/ ولفظ الكعبة هو في الأصل اسم لنفس البنْيَة، ثم في القرآن قد استعمل فيما حولها، كقوله: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95]. وكذلك لفظ المسجد الحرام، يعبر به عن المسجد، وعما حوله من الحرم. وكذلك لفظ بَدْر، هو اسم للبئر، ويسمى به ما حولها. وكذلك أحد، اسم للجبل، ويتناول ما حوله، فيقال: كانت الوقعة بأحد؛ وإنما كانت تحت الجبل، وكذلك يقال لمكان العقبة ولمكان القصر، والعُقَيْبَة تصغير العقبة، والقُصَيْر تصغير قصر، ويكون قد كان هناك قصر صغير أو عقبة صغيرة، ثم صار الاسم شاملًا لما حول ذلك مع كِبَرِه، فهذا كثير غالب في أسماء البقاع.

والمقصود أن المتردد في المساكن لا يسمى مسافرًا، وإذا كان الناس يعتادون المبيت في بساتينهم ـ ولهم فيها مساكن ـ كان خروجهم إليها كخروجهم إلى بعض نواحي مساكنهم، فلا يكون المسافر مسافرًا، حتى يسفر فيكشف ويظهر للبرية الخارجة عن المساكن التي لا يسير السائر فيها، بل يظهر فيها وينكشف في العادة. والمقصود أن السفر يرجع فيه إلى مسماه لغة وعرفًا.

/ فصل

وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس فيما دون خمسة أَوْسُق صدقة، وليس فيما) دون خمس أَوَاق صدقة؛ وليس فيما دون خمس ذَوْدٍ صدقة)، وقال: (لا شيء في الرِّقَةِ حتى تبلغ مائتي درهم)، وقال في السارق: (يقطع إذا سرق ما يبلغ ثمن المجَنّ)، وقال: (تقطع اليد في ربع دينار)، والأوقية في لغته أربعون درهمًا، ولم يذكر للدرهم ولا للدينار حدًا، ولا ضرب هو درهمًا، ولا كانت الدراهم تُضْرَب في أرضه، بل تجلب مضروبة من ضرب الكفار، وفيها كبار وصغار، وكانوا يتعاملون بها تارة عددًا، وتارة وزنًا، كما قال: (زِنْ وأرجح، فإن خير الناس أحسنهم قضاء)، وكان هناك وَزَّان يزن بالأجر، ومعلوم أنهم إذا وزنوها فلابد لهم من صَنْجَةٍ يعرفون بها مقدار الدراهم، لكن هذا لم يحده النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقدره، وقد ذكروا أن الدراهم كانت ثلاثة أصناف: ثمانية

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير