مات عتبة سنة عشرين على أوسع الأقوال فبين وفاته و ولادة زيد بن علي دهر طويل!
و قال الحافظ ابن حجر في " تخريج الأذكار ": " أخرجه الطبراني بسند منقطع عن
عتبة بن غزوان مرفوعا و زاد في آخره " و قد جرب ذلك ".
ثم قال الحافظ: " كذا
في الأصل , أي الأصل المنقول منه هذا الحديث من كتاب الطبراني , و لم أعرف
تعيين قائله , و لعله مصنف المعجم , و الله أعلم ".
فقد اقتصر الحافظ على
إعلاله بالانقطاع , و هو قصور واضح لما عرفت من العلتين الأوليين. و أما دعوى
الطبراني رحمه الله بأن الحديث قد جرب , فلا يجوز الاعتماد عليها , لأن
العبادات لا تثبت بالتجربة , كما سبق بيانه في الحديث الذي قبله. و مع أن هذا
الحديث ضعيف كالذي قبله , فليس فيه دليل على جواز الاستغاثة بالموتى من
الأولياء و الصالحين , لأنهما صريحان بأن المقصود بـ " عباد الله " فيهما خلق
من غير البشر , بدليل قوله في الحديث الأول: " فإن لله في الأرض حاضرا سيحبسه
عليهم ". و قوله في هذا الحديث: " فإن لله عبادا لا نراهم ". و هذا الوصف
إنما ينطبق على الملائكة أو الجن , لأنهم الذين لا نراهم عادة ,
و قد جاء في حديث آخر تعيين أنهم طائفة من الملائكة.
أخرجه البزار عن ابن عباس بلفظ: " إن لله تعالى ملائكة في الأرض سوى الحفظة يكتبون ما يسقط من ورق الشجر , فإذا
أصابت أحدكم عرجة بأرض فلاة فليناد: يا عباد الله أعينوني ".
قال الحافظ كما في " شرح ابن علان " (5/ 151): " هذا حديث حسن الإسناد غريب جدا , أخرجه
البزار و قال: لا نعلم يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ إلا من
هذا الوجه بهذا الإسناد ".
و حسنه السخاوي أيضا في " الابتهاج "
و قال الهيثمي
: " رجاله ثقات ".
قلت: و رواه البيهقي في " الشعب " موقوفا كما يأتي.
فهذا الحديث - إذا صح - يعين أن المراد بقوله في الحديث الأول " يا عباد الله " إنما
هم الملائكة , فلا يجوز أن يلحق بهم المسلمون من الجن أو الإنس ممن يسمونهم
برجال الغيب من الأولياء و الصالحين , سواء كانوا أحياء أو أمواتا , فإن
الاستغاثة بهم و طلب العون منهم شرك بين لأنهم لا يسمعون الدعاء , و لو سمعوا
لما استطاعوا الاستجابة و تحقيق الرغبة , و هذا صريح في آيات كثيرة , منها قوله
تبارك و تعالى: * (و الذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير , إن تدعوهم لا
يسمعوا دعائكم , و لو سمعوا ما استجابوا لكم , و يوم القيامة يكفرون بشرككم , و
لا ينبئك مثل خبير) * (فاطر 13 - 14). هذا ,
و يبدو أن حديث ابن عباس الذي
حسنه الحافظ كان الإمام أحمد يقويه , لأنه قد عمل به , فقال ابنه عبد الله في "
المسائل " (217): " سمعت أبي يقول: حججت خمس حجج منها ثنتين [راكبا] و
ثلاثة ماشيا , أو ثنتين ماشيا و ثلاثة راكبا , فضللت الطريق في حجة و كنت ماشيا
, فجعلت أقول: (يا عباد الله دلونا على الطريق!) فلم أزل أقول ذلك حتى وقعت
على الطريق. أو كما قال أبي , و رواه البيهقي في " الشعب " (2/ 455 / 2) و
ابن عساكر (3/ 72 / 1) من طريق عبد الله بسند صحيح.
و بعد كتابة ما سبق
وقفت على إسناد البزاز في " زوائده " (ص 303): حدثنا موسى بن إسحاق: حدثنا
منجاب بن الحارث: حدثنا حاتم بن إسماعيل عن أسامة بن زيد [عن أبان] ابن صالح
عن مجاهد عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: و هذا
إسناد حسن كما قالوا , فإن رجاله كلهم ثقات غير أسامة بن زيد و هو الليثي و هو
من رجال مسلم , على ضعف في حفظه , قال الحافظ في " التقريب ": " صدوق يهم ".
و موسى بن إسحاق هو أبو بكر الأنصاري ثقة , ترجمه الخطيب البغدادي في " تاريخه
" (13/ 52 - 54) ترجمة جيدة.
نعم خالفه جعفر بن عون فقال: حدثنا أسامة بن زيد .... فذكره موقوفا على ابن عباس. أخرجه البيهقي في " شعب الإيمان " (2/ 455 / 1). و جعفر بن عون أوثق من حاتم بن إسماعيل , فإنهما و إن كانا من رجال
الشيخين , فالأول منهما لم يجرح بشيء , بخلاف الآخر , فقد قال فيه النسائي:
ليس بالقوي. و قال غيره: كانت فيه غفلة. و لذلك قال فيه الحافظ: " صحيح
الكتاب , صدوق يهم ". و قال في جعفر: " صدوق ". و لذلك فالحديث عندي معلول
بالمخالفة , و الأرجح أنه موقوف , و ليس هو من الأحاديث التي يمكن القطع بأنها
في حكم المرفوع , لاحتمال أن يكون ابن عباس تلقاها من مسلمة أهل الكتاب. و
الله أعلم. و لعل الحافظ ابن حجر رحمه الله لو اطلع على هذه الطريق الموقوفة ,
لانكشفت له العلة , و أعله بالوقف كما فعلت , و لأغناه ذلك عن استغرابه جدا , و
الله أعلم.
ـ[ابوعلي النوحي]ــــــــ[08 - 07 - 05, 08:38 ص]ـ
شيخنا عبدالرحمن
أسال الله أن يسبغ عليك رضوانه ويسكنك بحبوحة الجنة بمنه وكرمه وفضله
ـ[الدكتور مسدد الشامي]ــــــــ[08 - 07 - 05, 10:15 م]ـ
جزاك الله خيرا أخي الفاضل الشيخ عبدارحمن الفقيه
وجزى الله شيخنا الإمام الألباني كل خير وتغمده بواسع رحمته
¥