تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يحصل بها المقصود كيفما كانت.

وأيضًا، فالتقدير إنما كان لخمسة أوسق وهي خمسة أَحْمَال، فلو لم يعتبر في ذلك حدًا مستويًا لوجب أن تعتبر خمسة أحمال من حمال كل قوم.

وأيضًا، فسائر الناس لا يسمون كلهم صاعًا، فلا يتناوله لفظ الشارع كما يتناول الدرهم والدينار، اللهم إلا أن يقال: إن الصاع اسم لكل ما يكال به، بدليل قوله: {صُوَاعَ الْمَلِكِ} [يوسف: 72] فيكون كلفظ الدرهم.

فَصْل

وكذلك لفظ الإطعام لعشرة مساكين لم يقدره الشرع، بل كما قال اللّه: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: 89]، وكل بلد يطعمون من أوسط ما يأكلون كفاية غيره، كما قد بسطناه في غير هذا الموضع.

/ وكذلك لفظ [الجِزْيَة] و [الدِّيَة] فإنها فِعْلَة من جَزَى يَجْزِى إذا قضى وأدى، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (تجزي عنك ولا تجزي عن أحد بعدك)، وهي في الأصل جَزَا جِزْيَة كما يقال: وَعَدَ عِدَةً ووزن زِنَةً. وكذلك لفظ [الدية] هو من وَدَىَ يَدي دِيَةً، كما يقال: وعد يَعِدُ عِدَةً، والمفعول يسمى باسم المصدر كثيرًا، فيسمى المودِى دِيَة والمجزي المقضي جزية، كما يسمى الموعود وعدًا في قوله: {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً} [الملك: 25 - 27]. وإنما رأوا ما وعدوه من العذاب، وكما يسمى مثل ذلك الإتاوة؛ لأنه تؤتى، أي: تعطى. وكذلك لفظ الضَّرِيبة لما يضرب على الناس. فهذه الألفاظ كلها ليس لها حد في اللغة ولكن يرجع إلى عادات الناس، فإن كان الشرع قد حد لبعض حدًا كان اتباعه واجبًا.

ولهذا اختلف الفقهاء في الجزية: هل هي مقدرة بالشرع أو يرجع فيها إلى اجتهاد الأئمة؟

وكذلك الخَرَاج، والصحيح أنها ليست مقدرة بالشرع. وأمر النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ: أن يأخذ من كل حَاِلمٍ دينارًا، أو عدله مَعَافِريا [والمَعافِرىّ: هي برود يمنية منسوبة إلى قبيلة مَعافِر ببلاد اليمن]. قضية في عين، لم يجعل ذلك شرعًا عامًا لكل من تؤخذ منه الجزية إلى يوم القيامة، بدليل أنه صَالَحَ لأهل البحرين على /حالم ولم يقدره هذا التقدير، وكان ذلك جزية، وكذلك صَالَحَ أهل نجران على أموال غير ذلك ولا مقدرة بذلك، فعلم أن المرجع فيها إلى ما يراه ولي الأمر مصلحة وما يرضى به المعاهدون، فيصير ذلك عليهم حقًا يجزونه، أي: يقصدونه ويؤدونه.

وأما الدية، ففي العَمْد يرجع فيها إلى رِضَا الخصمين، وأما في الخطأ فوجبت عَيْنًا بالشرع، فلا يمكن الرجوع فيها إلى تراضيهم، بل قد يقال: هي مقدرة بالشرع تقديرًا عامًا للأمة، كتقدير الصلاة والزكاة، وقد تختلف باختلاف أقوال الناس في جنسها وقدرها، وهذا أقرب القولين وعليه تدل الآثار، وأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما جعلها مائة لأقوام كانت أموالهم الإبل؛ ولهذا جعلها على أهل الذهب ذهبًا، وعلى أهل الفضة فضة، وعلى أهل الشاء شاءً، وعلى أهل الثياب ثيابًا، وبذلك مضت سيرة عمر بن الخطاب، وغيره.

فَصْل

وقال اللّه تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: 5، 6]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك)، وقد دل القرآن على أن ما حَرُمَ وطؤه بالنكاح / حرم بملك اليمين، فلا يحل التَّسَرِّى بذوات محارمه ولا وَطْءِ السَّرِيَّة في الإحرام والصيام والحيض، وغير ذلك مما يحرم وطء الزوجة فيه بطريق الأولى.

وأما الاسْتِبْرَاء فلم تأتِ به السنة مطلقًا في كل مملوكة، بل قد نَهي صلى الله عليه وسلم أن يسقى الرجل ماءَه زَرْعَ غيره. وقال في سبايا أَوْطَاس [أوطاس: واد في ديار هوازن، فيه كانت وقعة حنين]: (لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تستبرأ)، وهذا كان في رقيق سبىٍ، ولم يقل مثل ذلك فيما ملك بإرْثٍ أو شراء أو غيره. فالواجب أنه إن كانت توطأ المملوكة لا يحل وطؤها حتى تستبرأ؛ لئلا يسقى الرجل ماءه زرع غيره. وأما إذا علم أنها لم يكن سيدها يطؤها؛ إما لكونها بكرًا، أو لكون السيد امرأة أو صغيرًا، أو قال

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير