قالَ ابن عبد البر: والوضوء عليها عند مالك على الاستحباب دونَ الوجوب. قالَ وقد احتج بعض أصحابنا على سقوط الوضوء بقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((فإذا ذهب قدرها فاغتسلي وصلي))، ولم يذكر وضوءاً.
قالَ: وممن قالَ بأن الوضوء على المستحاضة غير واجب: ربيعة، وعكرمة، ومالك، وأيوب، وطائفة.
قالَ: وأما الأحاديث المرفوعة في الغسل لكل صلاة، فكلها مضطربة، لا تجب بمثلها حجة. انتهى.
وأحاديث الأمر بالغسل لكل صلاة كلها معلولة، وربما تأتي الإشارة إليها في موضع آخر - إن شاء الله تعالى.
وإنما المراد هنا: أحاديث الوضوء لكل صلاة، وقد رويت مِن وجوه متعددة، وهي مضطربة -أيضا- ومعللة، تقدم بعضها.
ومن أشهرها: رواية الأعمش، عَن حبيب بنِ أبي ثابت، عَن عروة، عَن عائشة، قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش، فقالت: يا رسول الله، إني امرأة استحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ قالَ: ((لا، اجتنبي الصلاة أيام محيضك، ثُمَّ اغتسلي وتوضئي لكل صلاة، ثُمَّ صلي، وإن قطر الدم على الحصير)).
خرجه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه.
وقال أبو داود: هوَ حديث ضعيف لا يصح، قالَ: ليسَ بصحيح، وَهوَ خطأ مِن الأعمش.
وقال الدارقطني: لا يصح.
وقد روي موقوفاً على عائشة، وَهوَ أصح عند الأكثرين.
ورى هشيم: نا أبو بشر، عَن عكرمة؛ أن أم حبيبة بنت حجش استحيضت، فأرها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أن تنظر أيام أقرائها، ثُمَّ تغتسل وتصلي، فإن رأت شيئاً مِن ذَلِكَ توضأت وصلت.
خرجه أبو داود.
والظاهر: أنَّهُ مرسل، وقد يكون آخره موقوفاً على عكرمة، مِن قولُهُ والله أعلم.
وقد روي الأمر للمستحاضة بالوضوء لكل صلاة عَن جماعة مِن الصحابة، مِنهُم: علي، ومعاذ، وابن عباس، وعائشة، وَهوَ قول سعيد بنِ المسيب، وعروة، وأبي
جعفر، ومذهب اكثر العلماء، كالثوري، والأوزاعي، وابن المبارك، وأبي حنيفة، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي عبيد وغيرهم.
لكن؛ مِنهُم مِن يوجب عليها الوضوء لكل فريضة كالشافعي.
ومنهم مِن يرى أنها تتوضأ لوقت كل صلاة، وتصلي بها ما شاءت مِن فرائض ونوافل حتَّى يخرج الوقت، وَهوَ قول أبي حنيفة، والمشهور عَن أحمد، وَهوَ -أيضاً- قول الأوزاعي والليث وإسحاق.
وقد سبق ذكر قول مِن لَم يوجب الوضوء بالكلية لأجل دم الاستحاضة، كمالك وغيره.
وهكذا الاختلاف في كل مِن بهِ حدث دائم لا ينقطع، كمن بهِ رعاف دائم أو سلس البول، أو [الريح]، ونحو ذَلِكَ.
وعن مالك رواية بوجوب الوضوء، كقول الجمهور.
ـ[أبو بدر]ــــــــ[10 - 07 - 05, 02:57 ص]ـ
الأخ عبد الرحمن الفقيه: جزاكم الله خيرا.
ولكني لا أسأل عن لفظة الوضوء ذاتها فقد تكررت في روايات عديدة ويبدو من كلام العلماء أنها صحيحة , ولكني أسأل عن لفظة "لوقت" التي روي الحديث بدونها في مواضع وبها في مواضع أقل , واعتمد عليها كثير من العلماء في إجبارهم المستحاضة أن تتوضأ بعد الأذان لا قبله.
وجزاكم الله خيرا.
ـ[عبدالرحمن الفقيه]ــــــــ[10 - 07 - 05, 03:43 ص]ـ
جزاكم الله خيرا وبارك فيكم
قال الزيلعي في نصب الراية [جزء 1 - صفحة 174]
الحديث قال النبي صلى الله عليه وسلم: " المستحاضة تتوضأ لوقت لكل صلاة "
قلت: غريب جدا
قال المحقق في الحاشية
قال الحافظ في " الدراية ": لم أجده هكذا اه.
قال العيني في " البناية " ص 416: قال بعضهم: هذا غريب: يعني بلفظ: " لوقت كل صلاة
قلت: ليس كذلك بل روى هذا الحديث بهذه اللفظة في بعض ألفاظ حديث فاطمة بنت أبي حبيش توضئي لكل وقت صلاة ذكره ابن قدامة في " المغني "
وروى الإمام أبو حنيفة هكذا: المستحاضة تتوضأ لكل صلاة ذكره السرخسي في " المبسوط "
وروى أبو عبد الله بن بطة بإسناده عن حمنة بنت جحش أنه عليه السلام أمرها أن تغتسل لوقت كل صلاة والغسل يغني عن الوضوء فبطل الاشتراط لكل صلاة: اه
وقال المباركفوري في تحفة الأحوذي [جزء 1 - صفحة 332]
فإن قلت قال بن الهمام في فتح القدير نقلا عن شرح مختصر الطحاوي روى أبو حنيفة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة بنت أبي حبيش توضئي لوقت كل صلاة
فهذه الرواية بلفظ توضئي لوقت كل صلاة تدل على أن المراد بقوله توضئي لكل صلاة أي الوقت كل صلاة
قلت نعم لو كان هذا اللفظ في هذا الطريق محفوظا لكان دليلا على المطلوب لكن في كونه محفوظا كلاما فإن الطرق الصحيحة كلها قد وردت بلفظ توضئي لكل صلاة وأما هذا اللفظ فلم يقع في واحد منها وقد تفرد به الإمام أبو حنيفة وهو سيء الحفظ كما صرح به الحافظ بن عبد البر والله تعالى أعلم) انتهى.
ـ[أبو بدر]ــــــــ[23 - 08 - 05, 07:56 ص]ـ
الأخ عبد الرحمن الفقيه: جزاكم الله خيرا على اهتمامك بالرد على سؤالي
وأسأل الله أن يجعل ذلك في موازين حسناتك
و معذرة على تأخري في شكرك فأنا لم أدخل على الإنترنت منذ فترة طويلة.