الأولى: عوف بن أبي جميلة حدثنا أبو الصديق الناجي عن أبي سعيد مرفوعا بلفظ: " لا تقوم الساعة حتى تملأ الأرض ظلما و جورا و عدوانا , ثم يخرج رجل من عترتي أو من أهل بيتي يملؤها قسطا و عدلا , كما ملئت ظلما و عدوانا ". أخرجه أحمد (3/ 36) و ابن حبان (1880) و الحاكم (4/ 557) و أبو نعيم في " الحلية " (3/ 101) , و قال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ". و وافقه الذهبي و هو كما قالا , و أشار إلى تصحيحه أبو نعيم بقوله عقبه: " مشهور من حديث أبي
الصديق عن أبي سعيد ". فإنه بقوله: " مشهور " يشير إلى كثرة الطرق عن أبي الصديق , كما تقدم , و أبو الصديق اسمه بكر بن عمرو , و هو ثقة اتفاقا محتج به عند الشيخين و جميع المحدثين , فمن ضعف حديثه هذا من المتأخرين , فقد خالف سبيل المؤمنين , و لذلك لم يتمكن ابن خلدون من تضعيفه , مع شططه في تضعيف أكثر أحاديث المهدي بل أقر الحاكم على تصحيحه لهذه الطريق و الطريق الآتية , فمن نسب إليه أنه ضعف كل أحاديث المهدي فقد كذب عليه سهوا أو عمدا.
الثانية: سليمان بن عبيد حدثنا أبو الصديق الناجي به , و لفظه: " يخرج في أمتي المهدي , يسقيه الله الغيث و تخرج الأرض نباتها و يعطي المال صحاحا و تكثر الماشية و تعظم الأمة , يعيش سبعا أو ثمانيا يعني حججا ". أخرجه الحاكم (4/ 557 - 558) و قال: " صحيح الإسناد ". و وافقه الذهبي و ابن خلدون أيضا فإنه قال عقبه في " المقدمة " (فصل 53 ص 250): " مع أن سليمان بن عبيد لم يخرج له أحد من الستة لكن ذكره ابن حبان في " الثقات " , و لم يرد أن أحدا تكلم فيه ".
قلت: و وثقه ابن معين أيضا , و قال أبو حاتم: " صدوق ". فهو إسناد صحيح كما تقدم عن الحاكم و الذهبي و ابن خلدون. و بقية الطرق و الشواهد قد خرجتها في " الروض النضير " تحت حديث ابن مسعود (647) من طرق عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش عنه. و رواه أصحاب السنن و كذا الطبراني في " الكبير " أيضا (10213 - 10230) و صححه الترمذي و الحاكم و ابن حبان (1878) و لفظه عند أبي داود " لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلا مني
أو من أهل بيتي , يواطئ اسمه اسمي و اسم أبيه اسم أبي , يملأ الأرض ... " الحديث و ممن صححه شيخ الإسلام ابن تيمية , فقال في " منهاج السنة " (4/ 211): " إن الأحاديث التي يحتج بها على خروج المهدي أحاديث صحيحة , رواها أبو داود و الترمذي و أحمد و غيرهم من من حديث ابن مسعود و غيره ". و كذا في" المنتقى من منهاج الاعتدال " للذهبي (ص 534).
قلت: فهؤلاء خمسة من كبار أئمة الحديث قد صححوا أحاديث خروج المهدي , و معهم أضعافهم من المتقدمين و المتأخرين أذكر أسماء من تيسر لي منهم:
1 - أبو داود في " السنن " بسكوته على أحاديث المهدي.
2 - العقيلي.
3 - ابن العربي في " عارضة الأحوذي ".
4 - القرطبي كما في " أخبار المهدي " للسيوطي.
5 - الطيبي كما في " مرقاة المفاتيح " للشيخ القاريء
6 - ابن قيم الجوزية في " المنار المنيف " , خلافا لمن كذب عليه.
7 - الحافظ ابن حجر في " فتح الباري ".
8 - أبو الحسن الآبري في " مناقب الشافعي " كما في " فتح الباري ".
9 - الشيخ علي القارئ في " المرقاة ".
10 - السيوطي في " العرف الوردي ".
11 - العلامة المباركفوري في " تحفة الأحوذي ".
و غيرهم كثير و كثير جدا.
بعد هذا كله أليس من العجيب حقا قول الشيخ الغزالي في " مشكلاته " التي صدرت عنه حديثا (ص 139): " من محفوظاتي و أنا طالب أنه لم يرد في المهدي حديث صريح , و ما ورد صريحا فليس بصحيح "! فمن هم الذين لقنوك هذا النفي و حفظوك إياه و أنت طالب ? أليسوا هم علماء الكلام الذين لا علم عندهم بالحديث , و رجاله , و إلا فكيف يتفق ذلك مع شهادة علماء الحديث بإثبات ما نفوه ?! أليس في ذلك ما يحملك على أن تعيد النظر فيما حفظته طالبا , لاسيما فيما يتعلق بالسنة و الحديث تصحيحا و تضعيفا , و ما بني على ذلك من الأحكام و الآراء , ذلك خير من
أن تشكك المسلمين في الأحاديث التي صححها العلماء لمجرد كونك لقنته طالبا , و من غير أهل الاختصاص و العلم ?!
¥