و اعلم يا أخي المسلم أن كثير من المسلمين اليوم قد انحرفوا عن الصواب في هذا الموضوع , فمنهم من استقر في نفسه أن دولة الإسلام لن تقوم إلا بخروج المهدي!
و هذه خرافة و ضلالة ألقاها الشيطان في قلوب كثير من العامة , و بخاصة الصوفية منهم , و ليس في شيء من أحاديث المهدي ما يشعر بذلك مطلقا , بل هي كلها لا تخرج عن أن النبي صلى الله عليه وسلم بشر المسلمين برجل من أهل بيته , و وصفه بصفات بارزة أهمها أنه يحكم بالإسلام و ينشر العدل بين الأنام , فهو في الحقيقة من المجددين الذين يبعثهم الله في رأس كل مائة سنة كما صح عنه صلى الله عليه وسلم , فكما أن ذلك لا يستلزم ترك السعي وراء طلب العلم و العمل به لتجديد الدين , فكذلك خروج المهدي لا يستلزم التواكل عليه و ترك الاستعداد و العمل لإقامة حكم الله في الأرض , بل على العكس هو الصواب , فإن المهدي لن يكون أعظم سعيا من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي ظل ثلاثة و عشرين عاما و هو يعمل لتوطيد دعائم الإسلام , و إقامة دولته فماذا عسى أن يفعل المهدي لو خرج اليوم فوجد المسلمين شيعا و أحزابا , و علماءهم - إلا القليل منهم - اتخذهم الناس رؤسا! لما استطاع أن يقيم دولة الإسلام إلا بعد أن يوحد كلمتهم و يجمعهم في صف واحد , و تحت راية واحدة , و هذا بلا شك يحتاج إلى زمن مديد الله أعلم به , فالشرع و العقل معا يقتضيان أن يقوم بهذا الواجب المخلصون من المسلمين , حتى إذا خرج المهدي , لم يكن بحاجة إلا أن يقودهم إلى النصر , و إن لم يخرج فقد قاموا هم بواجبهم , و الله يقول: * (و قل اعملوا فسيرى الله عملكم و رسوله) *.
و منهم - و فيهم بعض الخاصة - من علم أن ما حكيناه عن العامة أنه خرافة و لكنه توهم أنها لازمة لعقيدة خروج المهدي , فبادر إلى إنكارها , على حد قول من قال: " و داوني بالتي كانت هي دواء "! و ما مثلهم إلا كمثل المعتزلة الذين أنكروا القدر لما رأوا أن طائفة من المسلمين استلزموا منه الجبر!! فهم بذلك أبطلوا ما يجب اعتقاده , و ما استطاعوا أن يقضوا على الجبر! و طائفة منهم رأوا أن عقيدة المهدي قد استغلت عبر التاريخ الإسلامي استغلالا سيئا , فادعاها كثير من المغرضين , أو المهبولين , و جرت من جراء ذلك فتن مظلمة , كان من آخرها فتنة مهدي (جهيمان) السعودي في الحرم المكي , فرأوا أن قطع دابر هذه الفتن , إنما يكون بإنكار هذه العقيدة الصحيحة! و إلى ذلك يشير الشيخ الغزالي عقب كلامه السابق! و ما مثل هؤلاء إلا كمثل من ينكر عقيدة نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان التي تواتر ذكرها في الأحاديث الصحيحة , لأن بعض الدجاجلة ادعاها , مثل ميرزا غلام أحمد القادياني , و قد أنكرها بعضهم فعلا صراحة , كالشيخ شلتوت , و أكاد أقطع أن كل من أنكر عقيدة المهدي ينكرها أيضا , و بعضهم يظهر ذلك من فلتات لسانه , و إن كان لا يبين. و ما مثل هؤلاء المنكرين جميعا عندي إلا كما لو أنكر رجل ألوهية الله عز وجل بدعوى أنه ادعاها بعض الفراعنة! (فهل من مدكر).
* " ينزل عيسى بن مريم , فيقول أميرهم المهدي: تعال صل بنا , فيقول: لا إن
بعضهم أمير بعض , تكرمة الله لهذه الأمة ".
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 5/ 276:
أخرجه الحارث بن أبي أسامة في " مسنده ": حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم حدثنا
إبراهيم بن عقيل عن أبيه عن وهب بن منبه عن # جابر # قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: فذكره. كذا في " المنار المنيف في الصحيح و الضعيف " لابن
القيم (ص 147 - 148) , و قال: " و هذا إسناد جيد ". و أقره الشيخ العباد في
رسالته في " المهدي " المنشورة في العدد الأول من السنة الثانية عشرة من مجلة "
الجامعة الإسلامية " (ص 304).
قلت: و هو كما قال ابن القيم رحمه الله تعالى , فإن رجاله كلهم ثقات من رجال
أبي داود , و قد أعل بالانقطاع بين وهب و جابر , فقال ابن معين في إسماعيل هذا
: " ثقة , رجل صدق , و الصحيفة التي يرويها عن وهب عن جابر ليست بشيء إنما هو
كتاب وقع إليهم و لم يسمع وهب من جابر شيئا ". و قد تعقبه الحافظ المزي , فقال
في " تهذيب الكمال ": " روى أبو بكر بن خزيمة في " صحيحه " عن محمد بن يحيى عن
¥