تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يُتْبَعُ بِعَوْنِ اللهِ وَتَوْفِيقِهِ.

ـ[أبو محمد الألفى]ــــــــ[31 - 07 - 05, 03:15 م]ـ

فَإِنْ قَالُوا: بِأَىِ تَأْوِيلٍ أَنْكَرْتُمْ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((عَلِيٌّ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُون مِنْ مُوسَى)) نَصَّاً عَلَى خِلافَتِهِ بَعْدَهُ؟.

قُلْنَا: لَوْ كَانَ قَوْلُه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((عَلِيٌّ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُون مِنْ مُوسَى)) نَصَّاً كَمَا زَعَمْتُمْ وَادَّعَيْتُمْ، لَمْ يَجِزْ لأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَائِنَاً مَنْ كَانَ أَنْ يَجْحَدَهُ، وَلا أَنْ يُنْكِرَ دِلالَتَهُ فَضْلاًً عَنْ الْعَمَلَ بِمُقْتَضَاهُ. وَأَهْلُ السُّنَّة سِيَّمَا أَكَابِرَ الصَّحَابَةِ وَفُضَلائَهُمْ أَوْلَى النَّاسِ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَآلِ بَيْتِهِ، وَأَقَرُّهُمْ عَيْنَاً بِإتْيَانِ مَا يَأْمُرُهُمْ اللهُ وَرَسُولُهُ بِهِ، وَاجْتِنَابِ مَا يَنْهَيَاهُمْ عَنْهُ، فَإِنَّمَا كَانَ قَوْلَهُمْ ((إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)) [النُّور: 51]، ((وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرَاً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِينَاً)) [الأَحْزَاب: 36].

وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ ذَا نَصَّاً صَرِيْحَاً عَلَى دَعْوَاكُمْ، فَقَدْ وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى سَبَبِ إِيْرَادِهِ، وَذَلِكَ أَبْيَنُ فِى دِلالَتِهِ إِذَا تَوَارَدَتْ الشُّبَهُ وَالشُّكُوكُ، وَأَبْطَلُ لِمُنَازَعَتِكُمْ إِيَّانَا عَلَى دِلالَةِ مَفْهُومِهِ وَفَحْوَى خِطَابِهِ، وَأَلْزَمُ لِلْحُجَّة عَلَى مَنْ يَدَّعِى تَضَمُّنَهُ بَعْضَ مَعَانِى مَذْهَبِهِ الْفَاسِدِ. وَقَدْ أَبَانَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رَضَِي اللهُ عَنْهُ مَعَنَاهُ، وَهُوَ الْعُمْدَةُ فِي رِوَايّهِ هَذَا الْحَدِيثِ، فَذَكَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا قَالَهُ عِنْدَ خُرُوجِهِ فِى غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَقَدْ خَلَفَ عَلِيَّاً رَضِيَ الله عَنْهُ بِالْمَدِينَةِ عَلَى النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، فَمَاجَ أَهْلُ النِّفَاقِ، وَأَكْثَرُوا الْهَمْزَ وَاللَّمْزَ، وَقَالُوا: قَدْ أَبْغَضَ عَلِيَّاً وَقَلاهُ، وَتَرَكَهُ مَعَ الْخَوَالِفِ وَالْقَوَاعِدِ مِنْ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، فَلَحِقَ عَلِيٌّ بِالنَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالُوهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى))، فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ((رَضِيتُ رَضِيتُ)). فَعَلَى هَذَا يَكُونُ عَلِيٌّ رَضِيَ الله عَنْهُ مُسْتَخْلَفَاً عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِى غِيَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا، كَنَحْوِ اسْتِخْلافِ مُوسَى هَارُونَ عَلَيْهِمَا السَّلامُ عِنْدَ ذَهَابِهِ لِلِقَاءِ رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ ((وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ)) [الأَعْرَاف: 142]، وَلا يَخْفَى أَنَّ ذَلِكَ الاسْتِخْلافَ كَانَ فِى حَيَاةِ مُوسَي عَلَيْهِ السَّلاُم لا بَعْدِ مَوْتِهِ، إِذْ الْمَجْزُومُ بِهِ أن هَارُونَ مَاتَ قَبْلَ مُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلامُ بَسَنَوَاتٍ، وَبِجَامِعِ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهِ الشَّبَهِ تَكُونُ خِلافَةُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مُخْتَصَّةً بِحَيَاةِ النَّبىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لا بَعْدِ مَوْتِهِ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير