كما ترجم لمالك الدار البخاريُّ في (تاريخه 7/ 304) والحافظ ابن حجر في (الإصابة 6/ 274) وذكر أن له إدراكاً. وروى عنه أبو صالح السمَّان وابناه عون وعبدالله كما أفاد ذلك الحافظ في (الإصابة 6/ 274).
وبعد هذا كلِّه كيف يقال: إن مالكاً مجهول؟ حتى وإن سلَّمنا أنه مجهول، لكن ترتفع الجهالة بتوثيق العلماء المعتبرين له كما قرَّر ذلك الحافظ ابن حجر في (نزهة النظر شرح نخبة الفكر135) عن المجهول وحكم قبول روايته: (فإن سُمِّي الراوي وانفرد راوٍ واحدٌ بالرواية عنه فهو مجهول العين كالمبهمِ، فلا يقبل حديثه إلا أن يوثِّقه غير من ينفرد عنه على الأصح وكذا من ينفرد عنه إذا كان متأهلاً لذلك). ونجد هنا أن ثلاثة من الأئمة وثَّقوا مالك الدار، وهم: ابن سعد صاحب الطبقات، والخليلي صاحب الإرشاد، وابن حبان في الثقات.
فتبيَّن لنا بهذا التحقيق أن مالكاً ثقة معروف، فيكون بذلك الإسنادُ صحيحاً كما ذكر الحافظ في الفتح. إلا أن مجرد صحة الإسناد لا يكفي لقبول الحديث، بل يجب أن يكون المتن صحيحاً معروفاً غير منكرٍ. فنجد أن هذا الحديث منكر المتن مخالف للصحيح، ووجه النكارة كما يلي:
1 - إن في الحديث المذكور أعلاه: أن الرجل الأعرابي أتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم من أجل الاستسقاء به. وهذا أمر مخالف لما عليه الصحابة أجمعون. لأن الصحابه كانوا إذا أرادوا أن يستسقوا فعلوا أحد الأمرين: إما أن يصلوا صلاة الاستسقاء، أو يتوسلوا بدعاء أحد منهم كما (1) فعل عمر بالعباس رضي الله عنهما. ولكن إتيان القبر مخالف لعمل الصحابة بالاتفاق.
2 - في هذا الحديث تقوُّل على عمر رضي الله عنه، وذلك أنه رضي الله عنه كان أشدَّ الناس تثبتاً في الأخبار، فكيف وهذا حاله يقبل قول الأعرابي الذي أتى إليه وأخبره بالرؤيا ثم بكى عمر؟!! إن هذا الأمر يشير إلى نكارة المتن وإن شئتَ قلْ: وضع المتنِ. وأورد هنا أثراً آخر ضعيفاً أستأنس به لتأكيد ما قلتُ، رواه عبدالرزاق في مصنفه 3/ 93): عن معمرٍ عن إسماعيل أبي المقدام عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: أصاب الناسَ سنةٌ، وكان رجلٌ في باديةٍ فخرج فصلَّى بأصحابه ركعتين واستسقى ثم نام، فرأى في المنام أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أتاه وقال: اقرأ عمرَ السلامَ وأخبرْه أن الله قد استجاب لكم، وكان عمر قد خرج فاستسقى أيضاً وأْمرْهُ: فليوفِّ العهدَ ولْيشدَّ العَقْدَ. قال فانطلق الرجلُ حتى أتى عمرَ فقال: استأذِنوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فسمعه عمرُ، فقال: من هذا المفتري على رسولِ لله صلى الله عليه وسلم. فقال الرجل: لا تعجلْ عليَّ يا أميرَ المؤمنين فأخبره الخبرَ فبَكى عمرُ.
فنرى أنه لم يُذكر فيه القبر، ونجد أيضاً استنكار عمر رضي الله عنه لقول الأعرابي. فهذا الأثر إن كان صحيحاً لكان كافياً لرد الحديث الأول. وأما ما ذكره الشيخ الألباني رحمه الله من أن الرجل المذكور لم يسمَّ، فاقتضى ذلك ألاَّ نقبل الحديث فتعقِّب بأن ذلك لا يضرُّ إذا ثبت أن الصحابة أقروه، وكم من أعرابي أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فيسأله أو يعمل شيئاً ولا ينكر عليه فعُلم أن عمله جائز. مثل حديث الأعرابي الذي بال في المسجد فقام الناس عليه فقال صلى الله عليه وسلم: دعوه، أريقوا عليه ذنوباً من ماءٍ والحديث في الصحيحين. هل نقول: إننا لا نقبل الحديث لأن الرجل لم يسمَّ؟!.
وأخيراً أقول: إن هذا الحديث غير ثابتٍ لا تبنى عليه عبادة، ولا يستأنس به لأنه لم يشهد له أحاديث أخرى صحيحة ولا عمل الصحابة بل مخالف للأحاديث الصحيحة الصريحة وعمل الصحابة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. وأنصح إخوتي الأعزاء بقراءة الكتب التالية للاستزادة من هذا الموضوع (الاستغاثة بغير الله):
1 - قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة لشيخ الإسلام ابن تيمية.
2 - الاستغاثة (الرد على البكري) لشيخ الإسلام ابن تيمية.
3 - التوسل: أنواعه وأحكامه للشيخ العلامة المحدث الألباني.
4 - الصارم المنكي في الرد على السبكي.
5 - صيانة الإنسان من وسوسة الشيخ دحلان.
6 - فتح المجيد شرح كتاب التوحيد.
7 - جلاء العينين في محاكمة الأحمدين للنعمان الآلوسي ابن شهاب الدين الآلوسي صاحب التفسير، إلا أن فيه بعض الملاحظات فيلتنبه.
¥