عن مالك الدار "أصاب الناس قحط في زمن عمر فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا فأتى الرجل في المنام فقيل له: ائت عمر فأقرئه السلام وأخبره أنكم مسقون وقل له عليك الكيس الكيس"
1 - فيه اضطراب:
مالك الدار مجهول الحال، إذا شاهدنا له بالثقة لم نشهد له بالضبط.
2 - وأما ما جاء في رواية سيف بن عمر الضبي أن الرجل هو بلال بن الحارث فهذا مردود:
فإن سيفاً هذا زنديق بشهادة نقاد الحديث وكان يضع الأحاديث.
قال ابن أبي حاتم "ضعيف" [الجرح والتعديل 4/ 278]
" ورماه ابن حبان والحاكم بالزندقة " [تهذيب التهذيب 4/ 295]
3 - أن الرواية ليست متواترة، وقد عاهد الأشاعرة ألا يأخذوا بالآحاد في العقائد.
4 - أن البخاري اقتصر على قول عمر " ما آلو إلا ما عجزت عنه " [التاريخ الكبير 7/ 304 رقم 1295]. ولم يذكر مجيء الرجل إلى القبر. وهذه الزيادة دخلت في القصة وهي زيادة منكرة ومعارضة لما هو أوثق منها مما رواه البخاري في صحيحه في ترك جمهور الصحابة التوسل بالنبي إلى التوسل بالبعاس.
5 - أو يرضى مسلم أن يقول: إن هذا الرجل المجهول كان أشد تعظيماً ومحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومعرفة بسنته من عمر الذي أخرج جمهور الصحابة إلى الصحراء ليشهدهم على ترك التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم فيتوسل بدعاء العباس ويقرونه على ذلك.
6 - أن الرواية لم تذكر أن الرجل رأى الرسول صلى الله عليه وسلم في منامه، فالرجل مجهول والذي أتاه في المنام مجهول، وربما كان هاتفاً من الجن.
7 - أن المنامات لا تقوم بها حجة في العقائد، فما لهؤلاء القوم يرفضون الاستسدلال بالآحاد في العقائد ولو كان في صحيح البخاري بينما يحتجون بالمنامات لإثبات عقائدهم)
من موسوعة أهل السنة 1/ 219 للشيخ الفاضل عبدالرحمن دمشقية حفظه الله
وقد قرأت في كتاب [وجاءوا يركضون .. مهلاً يا دعاة الضلالة] للشيخ الفاضل أبو بكر جابر الجزائري حفظه الله يقول:
(قلت: سبحان الله، كيف يصحّ هذا الأثروهو يناقض أكبر أصل من أصول الدين، ألا وهو توحيد القصد والطلب، إذ جاء فيه سؤال الرسول صلى الله عليه وسلم في قبره أن يستسقي لأمته.
ونظراً لمنافاة هذا الأثر لأصول الدين، اتصلت بمحدث المدينة وعالمها اليوم أبي عبدالباري الشيخ حماد الأنصاري، فسألته، فقال: على الخبير وقعت، إنهذا الأثرقد تتبعته في مصادره، ودرست سنده، فوجدته باطلاً، لا يقبل سنداً ولا متناً، وبيان ذلك:
1 - أن في سنده الأعمش، وهو معروف بالتدليس، ولذلك فإن حديثه لا يُحتجُّ به ما لم يصرح بالسماع.
2 - مالك الدار، والذي عليه مدار هذا الأثر مجهول، سكت عنه البخاري، كما سكت عنه ابن أبي حاتم، والقاعدة عند علماء الحديث أن من سَكَتَ عنه البخاري وابن أبي حاتم فهو مجهول غير معروف، لقول ابن أبي حاتم في كتابه [الجرح والتعديل]: من سكتُّ عنه فإني لا أعرفه.
وقد سكت عن مالك الدار هذا.
3 - سيف الضبيّ، وهو الذي ذكر أن رجلاً أتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا، وهو يعني بالرجل بلال بن الحارث رضي الله عنه، سيف هذا كذاب متهم بالزندقة، قال فيه ابن أبي حاتم: سيف متهم بالزندقة، وأحاديثه منكرة.
وسند يقوم على مدلس، ومجهول، وكذاب متهم بالزندقة، كيف يقبل أثر ورد به؟ هذا أولاً.
ثانياً: كيف يقبل أثر يجيز سؤال الأموات، وهو هدم لأعظم أصل من أصول الدين، وهو التوحيد.
وثالثاً: أن هذا الأثر لا يعدو كونه رؤيا منامية، والرؤى لا تثبت بها الشرائع والأحكام، اللهم إلا أن تكون رؤيا الأنبياء، لأنها من الوحي.
وبهذا تكسّر الرمح الوحيد الذي كان بأيدي الراكضين، يدافعون به لإثبات البدع وتقرير الضلالات، وبقوا يخمشون بأظفارهم، ويعضّون بأسنانهم. وأنّى لهم أن يَههزِموا جيوش الحق بأظفار القطط؛ وأسنان التماسيح!!)
قلتُ:
جزى الله المشايخ خير الجزاء على هذا البيان .. والسؤال إلى متى يضل دُعاة الضلالة يتبعون الأهواء؟!!
ألم يقل الله في مُحكم تنزيله {وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحداً} فلما تدعون مع الله أحد؟!!
لما طلب الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه من العباس رضي الله عنه أن يستسقي ولا يطلب ذلك من النبي عليه الصلاة والسلام؟!! لأنه متبع ويعلم بأن النبي عليه الصلاة والسلام قد مات!
يقول الشيخ عبدالعزيز العبداللطيف -حفظه الله- في فتوى [قصة استسقاء النبي بعد موته]:
(أن رجلاً أتى قبر النبي –صلى الله عليه وسلم- ... "إلخ، وهذا الرجل –كما هو ظاهر القصة- مجهول العين والحال، فلا يمكن الالتفات إلى تصرف رجل مجهول العين والحال والإعراض عن النصوص الصريحة الصحيحة الآمرة بدعاء الله وحده والناهية عن دعاء غير الله –تعالى-، وسؤال الموتى الدعاء –كما في تلك القصة- إن لم يكن شركاً فهو وسيلة إلى الشرك وذريعة إلى الاستغاثة بالأموات، وإذا كان ابن كثير قد ساقها في تاريخه فلا يعني صحة القصة فضلاً عن مشروعية ذلك الصنيع، فالعبرة بالدليل والبرهان، وننصح الأخ السائل بقراءة كتاب (قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة) لابن تيمية و (الصارم المنكي) لابن عبد الهادي، و (التوصل إلى حقيقة التوسل) لمحمد بن نسيب الرفاعي، و (التوسل) للألباني.
ولا يجوز دعاء أهل القبور والاستغاثة بهم، فإن الدعاء حق لله –تعالى- وحده لا شريك له، فمن دعا الأموات فقد أشرك بالله كما قال –تعالى-:"وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ*إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ" [فاطر: 14].
ومن دعا الأموات فقد قصدهم وتعلَّق بهم، فلا يتصور أن دعاة الموتى قد حققوا الصمدية لله –تعالى-.
وأما الكرامة فتحصل لأهل الإيمان والولاية، وقد لا تحصل لهم، كما أن الكرامة قد تحصل لضعيف الإيمان حتى يقوى إيمانه، والعبرة بلزوم الاستقامة وتحقيقها، والله أعلم)
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كتبه:
أبو عمر الدوسري
¥