تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يبدو أن يحيى بن معين لم يكن يعرف حفص بن سليمان الأسدي الكوفي معرفة شخصية، وليس هناك ما يؤكد أنهما التقيا في بغداد أو في غيرها من المدن، واعتمد يحيى في الحكم على حفص القارئ على قول أيوب بن المتوكل البصري القارئ (ت200هـ) فيه، فقد نقل الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد:" قال ابو زكريا، يعني يحيى بن معين: زعم أيوب بن المتوكل قال: أبو عمر البزاز أصح قراءة من أبي بكر بن عياش، وأبو بكر أوثق من أبي عمر. قال أبو زكريا: وكان أيوب بن المتوكل بصرياً من القراء، سمعته يقول ذلك" (10).

ونقل بعض المؤلفين في الجرح والتعديل قول أيوب بن المتوكل السابق الذي رواه عنه يحيى بن معين منسوباً إلى ابن معين نفسه مع تغيير فيه أدى إلى وصف حفص بأنه ليس ثقة، فقد نقل ابن عدي في كتابه الكامل عن الليث بن عبيد أنه قال:" سمعت يحيى بن معين يقول: أبو عمر البزاز صاحب القراءة ليس بثقة، هو أصح قراءة من أبي بكر بن عياش، وأبو بكر أوثق منه" (11).

وجاء في كتاب تاريخ ابن معين من رواية عثمان بن سعيد الدارمي (ت280هـ):" وسألته عن حفص بن سليمان الأسدي الكوفي: كيف حديثه؟ فقال: ليس بثقة " (12). وجاء في بعض الروايات عن يحيى بن معين أنه قال: ليس بشيء (13)، وصارت العبارة في رواية أخرى:"كان حفص كذَّاباً"، فقد نقل ابن عدي في كتابه الكامل، عن الساجي، عن أحمد بن محمد البغدادي، قال سمعت يحيى بن معين يقول: كان حفص بن سليمان وأبو بكر بن عياش من أعلم الناس بقراءة عاصم، وكان حفص أقرأ من أبي بكر، وكان أبو بكر صدوقاً، وكان حفص كذَّاباً" (14). وانتهى الأمر عند ابن الجوزي إلى القول:" قال يحيى: ضعيف، وقال مرة: ليس بثقة، وقال مرة: كذاب " (15).

ويترجح لدي أن ذلك كله قراءة غير دقيقة لقول أيوب بن المتوكل في حفص القارئ، سواء كانت تلك القراءة من يحيى بن معين نفسه أو من الرواة عنه، وعَزَّزَ تلك القراءة غير الدقيقة لقول أيوب ما كان قد انتشر من القول بتضعيفه نتيجة لنسبة كلمة شعبة بن الحجاج في حفص المنقري إليه، لكن ابن الجزري نقل قول ابن معين على نحو آخر، قال:" وقال يحيى بن معين: الرواية الصحيحة التي رويت عن قراءة عاصم رواية أبي عمر حفص بن سليمان" (16).

والخلاصة هي أن علماء الجرح والتعديل نسبوا حفص بن سليمان القارئ إلى الضعف في الحديث، مستندين إلى قول شعبة: إنه كان يستعير كتب الناس فينسخها، ولا يردها. وإلى قول أيوب: أبو بكر أوثق من أبي عمر. وكلا الأمرين لا يصلح أن يكون علة لتضعيفه، أما الأول فقد بان أنه وَهْمٌ، وأما الثاني فإن قول أيوب يمكن أن يعني أن حفصاً ثقة لكن شعبة أوثق منه. وسوف أعود لمناقشة ذلك بعد عرض أقوال الموثقين لحفص.

ثالثاً: أقوال المُوَثِّقين:

لا تخلو كتب التراجم وكتب الجرح والتعديل من أقوال في توثيق حفص بن سليمان القارئ، لكنها قليلة، غطَّت عليها أقاويل المجرحين، ولعل ما ذهب إليه العلماء من " أن تقديم الجرح على التعديل مُتَعَيِّنٌ" (17) قد حجب ما ورد من أقوال في توثيقه. وما ورد من أقوال في توثيقه على قلتها تدل على أن حفصاً كان موضع ثقة من علماء عرفوه أو أخذوا عنه. ومن العلماء الذين وثقوه:

(1) وكيع بن الجراح، الكوفي (ت 196هـ):

نقلت مجموعة من كتب الجرح والتعديل عن أبي عمرو الداني الأندلسي (ت 444هـ) قوله في حفص القارئ:" مات قريباً من سنة تسعين ومئة، قال: وقال وكيع: كان ثقة " (18). وللداني كتاب في طبقات القراء، لعله ذكر قول وكيع فيه.

وقول وكيع هذا مهم جداً في توثيق حفص لسببين: الأول: كونه من الكوفة، وأهل الكوفة أعرف بعلمائهم، والثاني: كونه معاصراً لحفص، وما رَاءٍ كمَنْ سَمِعَ!

(2) سعد بن محمد بن الحسن العوفي، تلميذ حفص:

انتقل حفص بن سليمان الأسدي القارئ من الكوفة إلى بغداد، ولعل ذلك حصل في منتصف القرن الثاني الهجري أو بعده بقليل، وكان له من العمر قريباً من ستين سنة، ونزل في الجانب الشرقي منها، ونقل الخطيب البغدادي عن ابن مجاهد (ت 324هـ) قوله:"حدثنا محمد بن سعد العوفي، حدثنا أبي، حدثنا حفص بن سليمان، وكان ينزل سُوَيْقَةَ نصر، لو رأيته لَقَرَّتْ عَيْنُكَ به علماً وفهماً " (19).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير