تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لم يدرك حذيفة. فاحتجاج حذيفة على ابن مسعود بهذه الجملة " لا اعتكاف " يشعر

بأنها في موضع الحجة عنده , و إلا لم يقل له: " أما علمت .. " إلخ. و الله

أعلم. و اعلم أن العلماء اختلفوا في شرطية المسجد للاعتكاف و صفته كما تراه

مبسوطا في " المصنفين " المذكورين و " المحلى " و غيرهما , و ليس في ذلك ما يصح

الاحتجاج به سوى قوله تعالى: * (و أنتم عاكفون في المساجد) * , و هذا الحديث

الصحيح , و الآية عامة , و الحديث خاص , و مقتضى الأصول أن يحمل العام على

الخاص , و عليه فالحديث مخصص للآية و مبين لها , و عليه يدل كلام حذيفة و حديثه

, و الآثار في ذلك مختلفة أيضا , فالأولى الأخذ بما وافق الحديث منها كقول سعيد

بن المسيب: لا اعتكاف إلا في مسجد نبي. أخرجه ابن أبي شيبة و ابن حزم بسند

صحيح عنه. ثم رأيت الذهبي قد روى الحديث في " سير أعلام النبلاء " (15/ 80)

من طريق محمود بن آدم المروزي: حدثنا سفيان به مرفوعا , و قال: " صحيح غريب

عال ". و علق عليه الشيخ شعيب بعد ما عزاه للبيهقي و سعيد بن منصور بقوله: "

و قد انفرد حذيفة بتخصيص الاعتكاف في المساجد الثلاثة "! و هذا يبطله قول ابن

المسيب المذكور , فتنبه. على أن قوله هذا يوهم أن الحديث موقوف على حذيفة , و

ليس كذلك كما سبق تحقيقه , فلا تغتر بمن لا غيرة له على حديث رسول الله صلى

الله عليه وسلم أن يخالف , و الله عز وجل يقول: * (فليحذر الذين يخالفون عن

أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) *. هذا , و قد كنت أوردت هذا الحديث

في رسالتي " قيام رمضان " (36) و خرجته باختصار , مصرحا بصحة إسناده عن حذيفة

رضي الله عنه , و أحلت في تفصيل ذلك إلى هذا الموضع من هذه السلسلة. ثم جاءني

بعد سنين تحرير بتاريخ (13/ 7 / 1413 هـ) - و هذا المجلد تحت الطبع - من أحد

إخواننا المحبين في الله و في الغيب المشتغلين بهذا العلم الشريف كما بدا لي من

خطابه , و فيه نقد منه لثلاثة أحاديث كنت صححتها في بعض مؤلفاتي منها هذا

الحديث , فاهتبلتها فرصة لبيان أنه لم يصب كبد الحقيقة في إعلاله إياه من جميع

طرقه , معترفا بأنه كان أديبا في كتابته , لطيفا في نقده , زد على ذلك أنه صرح

في آخر رسالته أنه فعل ذلك للاستفادة مني و من بعض إخواني فجزاه الله خيرا على

تواضعه , و إحسانه الظن بإخوانه. لقد تتبع الأخ - جزاه الله خيرا - طرق الحديث

من مصادر كثيرة طالتها يده , و بين عللها , و سبق أن أشرت إلى بعضها , و لذلك

فلن أطيل الكلام إلا في بعض النقاط الأساسية , لم يوفق هو للصواب في معالجتها ,

فكانت النتيجة - مع الأسف - تضعيف الحديث الصحيح , فأقول: النقطة الأولى: ضعف

طريق البيهقي بمحمود بن آدم المروزي بقوله: " لم يوثقه غير ابن حبان , و ما

ذكر أن البخاري أخرج له , فقد رده الحافظ في " هدي الساري " (ص 239) ". و

الرد على هذا من وجهين: الأول: أن رد تفرد ابن حبان بتوثيق راو ما , لا يعني

أنه رد مقبول , خلافا لما يظنه أخونا هذا و غيره من الناشئين , و إنما ذلك إذا

وثق مجهولا عند غيره , أو أنه لم يرو عنه إلا واحد أو اثنان , ففي هذه الحالة

يتوقف عن قبول توثيقه , و إلا فهو في كثير من الأحيان يوثق شيوخا له يعرفهم

مباشرة , أو شيخا من شيوخهم , فهو في هذه الحالة أو التي قبلها إنما يوثق على

معرفة منه به , أو بواسطة شيوخه كما هو ظاهر , و محمود المروزي من هذا القبيل ,

فإن ابن حبان لما أورده في " الثقات " (9/ 202 - 203) قال: " حدثنا عنه

المراوزة ". فقد روى عنه جمع , فإذا رجع الباحث إلى " التهذيب " وجد فيه أسماء

عشرة من الذين رووا عن محمود هذا , أكثرهم من كبار الحفاظ الثقات طبعا ,

كالإمام البخاري كما تقدم و أحمد بن حمدون الأعمشي , و محمد بن حمدويه , و محمد

بن عبد الرحمن الدغولي , و لما ترجمه أبو يعلى الخليلي القزويني في كتابه "

الإرشاد في معرفة علماء الحديث " قال (3/ 900): سمع منه أبو داود السجستاني

و ابنه عبد الله , و آخر من روى عنه محمد بن حمدويه المروزي .. ". قلت: فهو

إذن من علماء الحديث , و من شيوخ كبار الحفاظ , أفيقال في مثله: " لم يوثقه

غير ابن حبان " ?! زاد على ذلك أن ابن أبي حاتم قال (4/ 1 / 291): " كان

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير