تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وآخر عنده رغيف واحد هو قوته لا يملك غيره فآثر به على نفسه من هو احوج منه اليه محبة لله وتقربا اليه وتوددا اليه ورغبة فى مرضاته ايثاراعلى نفسه. فيا لله كم بعد ما بين الصدقتين فى الفضل ومحبة الله وقبوله ورضاه؟ وقد قبل سبحانه هذه و هذه لكن قبول الرضى والمحبة و الا عتداد والمباهاة شىء وقبول الثواب و الجزاء شىء.و انت تجد هذا فى الشاهد فى ملك تهدى اليه هدية صغيرة المقدار لكنه يحبها و يرضاها فيظهرها لخواصه و حواشيه ويثنى على مهديها فى كلمات كهدية كثيرة العدد والقدر جدا لا تقع عنده موقعا ولكن يكون فى جوده لايضيع ثواب مهديها بل يعطيه عليها اضعافها و اضعاف اضعافها فليس قبوله لهذه الهدية مثل قبوله الاولى.و لهذا قال ابن عمر و غيره من الصحابة رضى الله عنهم "لو اعلم ان الله يتقبل منى سجدة واحدة لم يكن احب الى من الوت "انما يريد به القبول الخاص و الا فقبول العطاء والجزاء حاصل لأكثر الاعمال.

و القبول له انواع:

قبول رضى ومحبة واعتداد ومباهاة وثناء على العامل به بين الملأ الأعلى.

و قبول جزاء ثواب و ان لم يقع موقع الاول

وقبول اسقاط للعقاب فقط وان لم يترتب عليه ثواب وجزاء كقبول صلاة من لم يحضر قلبه فى شىء منها فانه ليس له من صلاته الا ما عقل منها فانها تسقط الفرض و لا يثاب عليها وكذلك صلاة الآبق وصلاة من أتى عرافا فصدقه. فان البعض قد حقق ان صلاة هؤلاء لا تقبل ومع هذا فلا يؤمرون بالاعادة يعنى ان عدم قبول صلاتهم انما هو فى حصول الثواب لا فى سقوطها من ذمتهم.

و الاعمال تتفاضل بتفاضل ما فى القلوب من الايمان و المحبة والتعظيم و الاجلال و قصد وجه المعبود وحده دون شىء من الحظوظ سواه. حتى لتكون صورة العملين واحدة وبينهما فى الفضل ما لا يحصيه الا الله تعالى.

و تتفاضل ايضا بتجريد المتابعة فبين العملين من الفضل بحسب ما يتفاضلان به فى المتابعة فتتفاضل الاعمال بحسب تجريد الاخلاص و المتابعة تفاضلا لا يحصيه الا الله تعالى و ينضاف هذا الى كون احد العملين احب الى الله فى نفسه.

مثاله: الجهاد وبذل النفس لله تعالى هو من احب الاعمال الى الله تعالى ويقترن بتجريد الاخلاص و المتابعة وكذلك الصلاة و العلم و قراءة القرآن فاذا فضل العلم فى نفسه وفضل قصد صاحبه و اخلاصه وتجردت متابعته لم يمتنع ان يكون العمل الواحد أفضل من سبعين بل و سبعمائة من نوعه.

فتأمل هذا فانه يزيل عنك اشكالات كثيرة و يطلعك على سر العمل و الفضل و أن الله سبحانه و تعالى أحكم الحاكمين يضع فضله مواضعه و هو اعلم بالشاكرين.ولا تلتفت الى ما يقول من غلظ حجاب قلبه من المتكلمين والمتكلفين انه يجوز ان يكون العملان متساويين من جميع الوجوه لا تفاضل بينهما و يثيب الله على احدهما اضعاف اضعاف ما يثيب على الآخر بل يجوز ان يثيب على هذا ويعاقب على هذا مع فرض الاستواء بينهما من كل وجه. وهذا قول من ليس له فى اسماء الرب وصفاته و افعاله و لا فقه فى شرعه و امره و لا فقه فى اعمال القلوب و حقائق الايمان بالله و بالله التوفيق.

و اذا عرفت ذلك: فلا يمتنع ان تكون الصلاة التى فعلها على وجه الكمال حتى اتى بسواكها الذى هو مطهرة لمجارى القرآن وذكر الله و مرضاة للرب واتباع للسنة والحرص على حفظ هذه الحرمه الواحدة التى اكثر النفوس تهملها و لا تلتفت اليها حتى كأنها غير مشروعة و لا محبوبة لكن هذا المصلى اعتدها فحافظ عليها واتى بها توددا وتحببا الى الله تعالى و اتباعا لسنه رسول الله عليه و سلم فلا يبعد ان تكون صلاة هذا احب الى الله من سبعين صلاة تجردت من ذلك والله اعلم.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير