نهى عن الدواء الخبيث والنهي يقتضي التحريم فيكون تعاطيه محرماً, وما حرم إلا لقبحه والقبيح لا فائدة فيه وإذا انتفت الفائدة انتفى الشفاء, وروى أبو داود في السنن من حديث أبي الدرداء قال قال رسول الله ? ((إن الله أنزل الداء والدواء وجعل لكل داءٍ دواءً فتداووا ولا تتداووا بحرام)) وأخرجه أيضاً الطبراني ورجاله ثقات, وجه الدلالة:- أنه ? بين أن الدواء في المباح أما المحرم فلا دواء فيه وبيان ذلك من وجوه:-
الأول:- أن الله جل وعلا هو الذي قدر الأمراض وقدر لها الأدوية وهو المحيط بكل شيء فما أثبته فهو المستحق أن يثبت وما نفاه فهو المستحق أن ينفى قولاً وعملاً واعتقاداً.
الثاني:- إن الله جل وعلا شرع لإزالة الأمراض أسباباً شرعية وأسباباً طبيعية وعادية فالأسباب الشرعية مثل قراءة القرآن والأدعية وقوة التوكل ونحو ذلك, وأما الطبيعية فمثل ما يوجد عند المريض من قوة البدن التي تقاوم المرض حتى يزول, وأما الأسباب العادية فمثل الأدوية التي تركب من الأشياء المباحة فكيف تجتنب الأسباب المشروعة إلى أسباب يأثم مرتكبها إذا كان عالماً بالحكم.
الثالث:- أن أصل التداوي مشروع وليس بواجب فلا يجوز ارتكاب محظور من أجل فعلٍ جائز.
الرابع:- أن زوال المرض مظنون بالدواء المباح, وأما بالدواء المحرم فمتوهم فكيف يرتكب الحرام لأمرٍ متوهم؟
الخامس:- أنه قال ((ولا تتداووا بحرام)) فهذا نهي, والنهي يقتضي في الأصل التحريم وهو إنما حرم لقبحه فلا يكون فيه شفاء, وأما النظر فمن عدة وجوه:-
الأول:- أن الله تعالى إنما حرمه لخبثه, فإنه لم يحرم على هذه الأمة طيباً, عقوبة لها كما حرمه على بني إسرائيل بقوله جل وعلا ? فبظلمٍ من الذين هادوا حرمنا عليهم طيباتٍ أحلت لهم ... الآية ? وإنما حرم على هذه الأمة ماحرم من أجل خبثه, وتحريمه له حمية لها وصيانة عن تناوله فلا يناسب أن يطلب به الشفاء من الأسقام والعلل فإنه وإن أثر في إزالتها لكنه يعقب سقماً أعظم منه في القلب بقوة الخبث الذي فيه, فيكون المداوي به قد سعى في إزالة سقم البدن بسقم القلب.
الثاني:- أن تحريمه يقتضي تجنبه والبعد عنه بكل طريق, وفي اتخاذه دواءً حض على الترغيب فيه وملابسته, وهذا مضاد لمقصود الشارع.
الثالث:- أنه داء كما نص عليه الشارع فلا يجوز أن يتخذ دواء.
الرابع:- أنه يكسب الطبيعة والروح صفة الخبث لأن الطبيعة تنفعل عن كيفية الدواء انفعالاً بيناً فإذا كانت كيفيته خبيثة أكسب الطبيعة منه خبثاً فكيف إذا كان خبيثاً في ذاته ولهذا حرم الله سبحانه على عباده الأغذية والأشربة والملابس الخبيثة لما تكتسب النفس من هيئة الخبث وصفته.
الخامس:- أن إباحة التداوي به ذريعة إلى تناوله للشهوة واللذة لاسيما إذا عرفت النفوس أنه نافع لها, مزيل لأسقامها, جالب لشفائها فهذا أحب شيء لها والشارع سد الذريعة إلى تناوله بكل ممكن, ولا ريب أن بين سد الذريعة وفتح الذريعة إلى تناوله تناقضاً عظيماً.
السادس:- أن في هذا الدواء المحرم من الأدواء مايزيد على مايظن فيه الشفاء ا. هـ. كلامه رحمه الله تعالى, وخلاصته أن التداوي بشرب دم الضب المسفوح حرام وفاعله آثم ولا عبرة بقول أحد مع هذه الأدلة من الكتاب والسنة والنظر الصحيح والتفريع على مقاصد الشريعة والله أعلى وأعلم.
"
ـ[المظلومة]ــــــــ[12 - 12 - 05, 11:16 م]ـ
جزاك الله الف خير
وأسأل الله العلي القدير ان يثبتك على القول والعمل الصالح
ـ[أبوعمرو المصري]ــــــــ[12 - 12 - 05, 11:26 م]ـ
وإياك أختنا ونفع الله بك المسلمين.