[حديث (خلق الله آدم على صورته) مبحث التخريج وبيان طرق الحديث]
ـ[د. مصعب الخير]ــــــــ[16 - 12 - 05, 05:57 ص]ـ
مفهوم حديث (خلق الله آدم على صورته)
وآثاره في الفكر الإسلامي
تأليف
د. مصعب الخير إدريس السيد مصطفى الإدريسي الحسني
قسم العقيدة والفلسفة الإسلامية
كلية أصول الدين ـ الجامعة الإسلامية العالمية
إسلام آباد ــ باكستان
1426هـ ــ 2005م.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله جل في علاه، وتنزه في ألوهيته عن مشابهة الخلق؛ فقال في محكم كتابه: "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير" الشورى/11.
والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين .. سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أئمة الهدى وحماة دين الإسلام، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد؛ فإن مفهوم حديث رسول الله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ الصحيح "خلق الله آدم على صورته" قدر له أن يكون من القضايا المشكلة التي تنازعت حولها الآراء، وتعارضت فيها الأحكام قديما وحديثا. ولم يخل ذلك النزاع الطويل من زلل تجاوز غلو العامة إلى كبوات العلماء، وهفوات المتكلمين، وشطحات الصوفية؛ فعد أقوام هذا الحديث من أخبار الصفات التي تمر كما جاءت دون أن يقال: لم، ولا كيف؟ حتى إن أحد المعاصرين قد ألف كتابا جعل عنوانه: "عقيدة أهل الإيمان في خلق آدم على صورة الرحمن" [1]؛ وفقا لبعض الروايات التي يصر بعض المعاصرين أيضا على صحتها وثبوتها متابعة لآراء بعض العلماء المتقدمين دون التثبت الواجب ــ فيما أرى [2].
وإني لأحسب أن قول رسول الله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ: "خلق الله آدم على صورته". قد شاع مبتورا عن سياقه في رواياته التامة، وبمعزل عن مقامه الذي يتضح فيه معناه الصحيح؛ فغدا من المشكلات عند أهل الكلام؛ فمنهم من فر إلى التأويل طلبا للتنزيه، وزعم بعضهم أن الحديث غير مدون في كتب الصحيح [3].
وفي الصوفية من أبعد في فهم الحديث واستلهام باطنه؛ حتى جعله أساسا لتفسير الخلق الإلهي للإنسان؛ بل العالم كله بفكرة المحبة أو "العشق الذاتي"، ومن جعل الحديث باب القول في "وحدة الوجود"، أو تمهيدا لظهور هذه النظرية في تاريخ التصوف الإسلامي.
وهذا يعني أن لمفهوم هذا الحديث أثرا خاصا في حركة الفكر الإسلامي، هو حري بالدراسة والبيان؛ فلا يقف الأمر عند رد خطأ فلان، أو قطع تجاوز غيره، أو رفع الإشكال عن مفهوم حديث مشكل فحسب، وإن كان كل غرض من أولئك على حدة يكفي دافعا للبحث والتأليف.
ولقد جعلت دراستي لمفهوم هذا الحديث، وبيان آثاره في الفكر الإسلامي، بعد هذه التوطئة، على ثلاثة فصول وخاتمة. أما الفصل الأول؛ فعنوانه: (روايات حديث "خلق الله آدم على صورته" ومفهومه عند علماء الحديث). وفيه مبحثان: أولهما: (روايات حديث "خلق الله آدم على صورته" .. دراسة نقدية). فمن اللازم قبل الخوض في بيان الآراء المتعلقة بمفهوم الحديث، الكلام عن أصول رواياته، وبيان مقامه الحق الذي يمكننا أن نقف معه على المعنى الصحيح، الذي تطمئن إليه النفوس، وتسكن له القلوب، وترضى به العقول. ولا يتم ذلك إلا بجمع ألفاظ الحديث وأسانيده المختلفة الطرق، وعقد المقارنة بينها؛ فإن علل الحديث لا تظهر إلا بجمع طرقه ونقدها؛ حتى نميز المضبوط سندا ومتنا مما به خلل؛ فنقبل الصحيح الثابت، ونطرح السقيم المعلّ. وهذه سبيلنا لتحديد المفهوم الصحيح لهذا الحديث.
والمبحث الثاني: (نماذج مفهوم حديث "خلق الله آدم على صورته" عند المحدثين). وهو دراسة نقدية لنماذج منتقاة في ضوء ما انتهت إليه في المبحث الأول، مع السعي في تقديم صورة صادقة وواضحة لمواقف عدد من المحدثين المتقدمين والمتأخرين في تحديد مفهوم هذا الحديث، على تعدد هذه المواقف وتباينها؛ سواء كانت نابعة من آرائهم في الحكم على روايات الحديث، أو صادرة عن مؤثرات أخرى ربما كانت غير إسلامية في بعض الأحيان.
أما الفصل الثاني؛ فعنوانه: (مفهوم حديث "خلق الله آدم على صورته" عند المتكلمين). وفيه ثلاثة مباحث: أولهما: (مواقف المتكلمين من الدليل النقلي). وهو معني برصد مواقف المدارس الكلامية في أطوارها المختلفة بين أهل السنة والشيعة من الأدلة النقلية؛ خاصة الحديثية، وفي ذلك تمهيد ضروري لفهم مواقف المتكلمين المتعددة من مفهوم هذا الحديث.
¥