تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وإذا أخذنا بقول الإمام أحمد وابن المديني؛ فرواية الأعمش إسنادها "منقطع". ولو ذهب أحد إلى امتناع الترجيح بين سفيان الثوري والأعمش، وذلك بعيد، واستشهد بأن الإمام البخاري ذكر في "التاريخ الكبير" سماع عطاء عن عدد من الصحابة منهم عبد الله بن عمر [97]،مع صحة إسناد ابن خزيمة إلى سفيان وصحة إسناده وإسناد غيره إلى الأعمش؛ فإن في إسناد الحديث "اضطرابا" يوجب ضعفه [98].

إن الحكم على إسناد رواية الأعمش بالصحة إنما يكون لغلبة الظن بكون رواتها ثِقاتٍ من مبدأ الإسناد إلى منتهاه، سمع كل راوٍ فيه عن شيخه ووعى إسناده ومتنه، ثم أداه كما سمعه؛ لكن رواية سفيان المرسلة تطعن في غلبة الظن بضبط الأعمش لإسناده، سواء كان سفيان أوثق من الأعمش أو كان مثله في الضبط والحفظ؛ لأنه إن كان الثوري أوثق؛ فقد ثبت أن الأعمش لم يضبط إسناده. وإن كان الثوري مثل الأعمش في الضبط بلا مرجح؛ فقد تطرق الاحتمال إلى دقة الإسنادين معا، وهذا ما يسميه علماء الحديث "اضطراب الإسناد"، وهو موجب للضعف، وأصل ذلك: أن الدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط.

وأما القول بأن الأعمش أوثق وأضبط في حفظه من سفيان الثوري أحد أمراء المؤمنين في رواية الحديث [99]؛ فلا أحسب أن أحدا من أهل العلم بالرجال وقدراتهم على الحفظ وضبطه يرضى ذلك؛ بله أن يقول به ويثبته .. نقل الخطيب البغدادي بإسناده عن ابن عيينة: أصحاب الحديث ثلاثة: عبد الله بن عباس في زمانه، والشعبي في زمانه، والثوري في زمانه.

ونقل البغدادي أيضا عن عدد من الشيوخ أن الثوري لم ير مثل نفسه. وعن يونس بن عبيد: ما رأيت أفضل من سفيان الثوري. فقيل له: يا أبا عبد الله، رأيت سعيدَ بن جُبَيْر وإبراهيمَ وعطاءً ومجاهدًا وتقول هذا؟! قال: هو ما أقول، ما رأيت أفضل من سفيان الثوري. وعن ابن المبارك: كتبت عن ألف ومائة شيخ، ما كتبت عن أفضل من سفيان الثوري [100].

وعن الأشجعي قال: دخلت مع سفيان الثوري على هشام بن عروة، فجعل سفيان يسأل وهشام يحدثه. فلما فرغ قال: أعيدها عليك؟ قال: نعم. فأعادها عليه، ثم خرج سفيان، وأذن لأصحاب الحديث، وتخلفت معهم، فجعلوا إذا سألوه أرادوا الإملاء؛ فيقول: احفظوا كما حفظ صاحبكم. فيقولون: لا نقدر نحفظ كما حفظ صاحبنا [101].

وقال أبو الحسن العجلي بإسناده إلى شريك قال: قدم علينا سالم الأفطس، فأتيته ومعي قرطاس فيه مائة حديث فسألته عنها؛ فحدثني وسفيان يسمع. فلما فرغ قال لي سفيان: أرني قرطاسك؟ قال: فأعطيته إياه، فخَرَّقَه. قال: فرجعت إلى مَنْزِلي فاستلقيت على قفاي، فحفظت منها سبعة وتسعين، وذهبت عني ثلاثة. قال: وحفظها سفيان كلَّها. كان سفيان ممرورا لا يخالطه شيء من البلغم، ولا يسمع شيئا إلا حفظه حتى كان يُخَافُ عليه [102].

وقال الإمام أحمد بن حنبل: حدثنا يحيى بن أبي بكير قال: سمعت شعبة يقول: ما حدثني سفيان عن إنسان بحديث، فسألته عنه، إلا كان كما حدثني به [103]. وآية ذلك ما نقله الخطيب بإسناده عن عبد الرحمن بن مهدي قال: ما رأيت صاحب حديث أحفظ من سفيان الثوري. حدث يوما عن حماد بن أبي سليمان، عن عمرو بن عطية، عن سلمان الفارسي قال: البصاق ليس بطاهر. فقلت: يا أبا عبد الله هذا خطأ. فقال لي: كيف؟ عمن هذا؟ قلت: حماد، عن ربعي، عن سلمان. قال: من يحدث به عن حماد؟ قلت: حدثنيه شعبة، عن حماد عن ربعي. قال: أخطأ شعبة فيه. ثم سكت ساعة ثم قال: وافق شعبةَ على هذا أحدٌ؟ قلت: نعم. قال: من؟ قلت: سعيد بن أبي عروبة، وهشام الدستوائي، وحماد بن سلمة. فقال: أخطأ حماد (يعني ابن أبي سليمان). قلت: أربعة يجتمعون على شيء واحد يقولون: عن حماد، عن ربعي!! فلما كان بعد سنة أخرى سنة إحدى وثمانين ومائة أخرج إليَّ غُنْدَر كتاب شعبة؛ فإذا فيه: عن حماد، عن ربعي. وقد قال حماد مرة: عن عمرو بن عطية. قال عبد الرحمن: فقلت: رحمك الله يا أبا عبد الله، كنت إذا حفظت الشيء لا تبالي من خالفك.

ولهذا قال يحيى بن معين: ليس أحد يخالف سفيان الثوري إلا كان القول قول سفيان [104].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير