وأبو خيثمة زهير بن حرب وُلِد سنة ستين ومائة [158]. وهذا يعني أنه كان في الثامنة والعشرين من عمره عند موت جرير.
وإسحاق بن راهُويه اختلف في سنة ولادته، والراجح عند البخاري والخطيب البغدادي والذهبي أنه ولد في سنة إحدى وستين ومائة [159]. أي أنه كان في السابعة والعشرين من عمره عند وفاة جرير. وقد نص الذهبي على أن ابن راهُويه ابتدأ رحلته لطلب الحديث سنة أربع وثمانين ومائة؛ فلقي الكبار وكتب عن خلق من أتباع التابعين، وسمع عدة منهم جرير بن عبد الحميد [160]. وهذا يعني أنه لقي جريرا في السنوات الأربع الأخيرة من عمره.
وأما عثمان بن أبي شيبة (ت 239هـ)؛ فقد نص الذهبي على أنه ولد بعيد الستين ومائة [161]. وهو من أقران ابن راهويه عمرا وسماعا من جرير .. نقل الذهبي في ترجمة عثمان بن أبي شيبة: قال إبراهيم بن أبي طالب: جئته فقال لي: إلى متى لا يموت إسحاق بن راهُويه؟! فقلت له: شيخ مثلك يتمنى هذا! قال: دعني، فلو مات لصفا لي جرير بن عبد الحميد.
قال الذهبي: فما عاش بعد إسحاق سوى خمسة أشهر [162].
وهناك رواية لا أحسب أنها تتعلق بعثمان بن أبي شيبة وحده، وإنما تتعلق به وبأترابه أو أقرانه في الأخذ عن جرير .. "قال عبد الرحمن بن محمد: وكان عثمان يقول لأصحابنا: إنما كتبنا عن جرير من كتبه. فأتيته فقلت: يا أبا الحسن، كتبتم عن جرير من كتبه؟ قال: فمن أين؟! وجعل يَروغ. قلت له: من أصول أو من نسخ؟ فجعل يحيد ويقول: من كتبٍ. فقلت: نعم، كتبتم على الأمانة من النسخ. فقال: كان أمره على الصدق، وإنما حدثنا أصحابنا أن جريرا قال لهم حين قدموا عليه، وكانت كتبه تَلِفَتْ: هذه نسخة أُحدّثُ بها على الأمانة، ولست أدري لعل لفظا يخالف لفظا، وإنما هي على الأمانة" [163].
وقد نقل الحافظ أبو الحجاج المِزِّي أن الإمام أحمد بن حنبل رمى عثمان بن أبي شيبة بالتوَهُّم في رواية بعض الأحاديث، وقد حسب أنه تفَرَّد بروايتها عن جرير؛ منها حديث العَصَبَة الذي رواه جرير عن شيبة في أن رسول الله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ هو عَصَبَةُ أبناء فاطمة ــ عليها السلام ــ خاصة. ومنها الحديث الذي رواه جرير عن سفيان الثوري في شهادة رسول الله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ لأعياد المشركين قبل البعثة .. قال الإمام أحمد بن حنبل: هذه أحاديث موضوعة أو كأنها موضوعة ... نسأل الله السلامة في الدين والدنيا، نراه يَتَوَهَّم هذه الأحاديث نسأل الله السلامة.
ونقل المِزِّي عن الحافظ أبي بكر الخطيب أن حديث شيبة في العَصَبَةِ قد رواه عن جرير غيرُ عثمان، وذكر الروايات. وأما حديث الثوري فلا يعلم أن أحدا غير عثمان رواه عن جرير .. قال أبو الفتح الأزدي: تفَرَّد به جرير الرازي إن كان عثمان بن أبي شيبة حفظه فإنه لم يتابع عليه [164].
وهذا يَدُلُّ على أن الخطأ في هذه الأحاديث لم يكن من عثمان؛ بل من جرير بن عبد الحميد، أو من نسخ كتبه التي كان يُحَدِّثُ منها على الأمانة بعد تلف الأصول.
وأريد أن أقول بعد ذلك ــ إن جاز لي القول دون أن أُتَّهَمَ بالمصادرة على المطلوب ــ: إنَّ روايات هارون وإسحاق وعثمان وزهير، ورواية يوسف بن موسى القطان عند ابن أبي عاصم، وابن خزيمة ــ دليلٌ ظاهرٌ على تأخُّر سماعهم من جرير، وتقدُّم سماع أبي الربيع الزهراني وأبي معمر القطيعي، اللذين أذهب إلى ترجيح لفظيهما الموافق للمحفوظ الصحيح الثابت عن أبي هريرة ــ رضي الله عنه؛ إذا سلمنا بفهمه في ضوء رواية الإمام مسلم من طريق ابن حاتم في النهي عن ضرب الوجه: "إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب الوجه؛ فإن الله خلق آدم على صورته"، ورواية الإمام ابن خزيمة من طريق الربيع بن سليمان المرادي في النهي عن تقبيح الوجه: "لا يقولن أحدكم لأحد: قبح الله وجهك، ووجها أشبه وجهك؛ فإن الله خلق آدم على صورته"، ورواية الإمام أحمد بي هريرة –رضي الله عنه؛ إذا سلمنا بفت
من طريق يحيى بن سعيد القطان في النهي عن ضرب الوجه وتقبيحه: "إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه، ولا يقل قبح الله وجهك، ووجه من أشبه وجهك؛ فإن الله ــ عز وجل ــ خلق آدم ــ عليه السلام ــ على صورته"؛ فإنما يُقبل لفظ الزهراني وأبي معمر على ما في روايتيهما من علل الإسناد فوق جرير باعتبار هذه الشواهد ..
¥