وقريب من هذا صنيع ابن الملقن، في طبقة الزيلعي، ولكن لست أدري هل تتلمذ على الذهبي أم لا. يقول ابن الملقن في اختصاره (21) لكتاب الذهبي بعد أن ذكر حديث النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال:" كل سبب منقطع يوم القيامة غير سببي ونسبي ".
قال: أخرج الحاكم هذا الحديث وصححه وتُعقب عليه. ثم بعد ذلك بأوراق في ترجمة فاطمة – رضي الله عنها – من حديث المسور بن مخرمة مرفوعاً: "إن الأنساب تنقطع يوم القيامة غير نسبي وسببي وصهري"، ثم قال الحاكم: صحيح، وأقره الذهبي عليه.
هذا الكلام ابن الملقن، وهو في طبقة تلاميذ الذهبي، فهم كانوا عارفين فأن صنيع الذهبي هذا يعني إقراره للحاكم على هذا التصحيح على هذه الصورة؛ لأننا حين نرجع إلى الحديث الذي ذكره نجد الحاكم قال: "حديث صحيح الإسناد"، ثم حكى الذهبي كلامه فقال: صحيح، أي أنه كلام الحاكم ولم يتعقبه بشيء، فاعتبر ابن الملقن هذا إقراراً من الذهبي.
ثم إن باقي الأئمة كذلك، مثل الشيخ أحمد شاكر والشيخ الألباني وأمثال هؤلاء، بل حتى ابن حجر (22) والسيوطي، ولكن لا أستطيع أن أنسب شيئاً ليس فيه مستمسك، لكن من نظر في تخريجاتهم وجد من هذا جملة، وهذا هو الذي أردت التنبيه عليه في هذه المسألة.
تفسير خاطئ لعدم إيراد الذهبي الحديث في الاختصار:
يقول بعضهم: يعتبر سكوت الذهبي عن الحديث حينما لا يورد الذهبي الحديث إطلاقاً، فهذا هو الذي نعتبره سكوتاً للذهبي، فيبدو أنهم ما ظفروا بمثل هذه الأمثلة التي ذكرتها من "المستدرك"، ويمكن لمن تتبع الكتاب أن يعلم أن سكوت الذهبي هو بهذه الصورة.
أسباب عدم إيراده للحديث إطلاقاً:
والذهبي قد لا يورد الحديث إطلاقاً لسبب من الأسباب الآتية:
السبب الأول:
لا يكون الحديث في نسخة الذهبي من "المستدرك"، وهذا وارد؛ لأن المستدرك الذي بين أيدينا الآن طبع على بعض النسخ التي سقط منها أحاديث، وبعض الأحاديث محقق مستدرك الحاكم لا يستطيع أن يثبته إلا من "التخليص"، و "التخليص" يحذف بعض الإسناد، إلا أن يثبته من " التخليص" (23).
فإذن بعض النسخ تسقط منها بعض الأحاديث، فقد يكون الحديث سقط من نسخة الذهبي.
السبب الثاني:
أن الذهبي قد يحذف الحديث؛ لأنه يرى أنه مكرر، ويصرح بذلك، فيقول: "وقد أعاده الحاكم في الموضع الفلاني"، فتأتي للموضع الفلاني، فتجد الذهبي لم يأت بالحديث اختصاراً منه، فلا داعي لتكرار الحديث.
السبب الثالث:
وقد يكون الحديث سقط من نفس تخليص الذهبي، فإن هذه النسخة التي طبعت سواء المستدرك أو تلخيص الذهبي نسخة سقيمة، وتحتاج إلى إعادة تحقيق وإعادة نظر وضبط على أصول خطية جيدة. وعندي أمثلة كثيرة على سقط مهم جداً، فأحياناً في تعقيبات الذهبي للأحاديث نجد الكلام سقط من هذه النسخة المطبوعة، ولكنني أجده في النسخ الخطية ابن الملقن، فإذن هذه الأمور كلها تكشف هذا الكتاب.
وبذلك أكون قد انتهيت من الكلام باختصار على مستدرك الحاكم، وأرجو أن يكون قد وضح ولو بعض الشيء.
وعلى كل حال: هذا منهج ليس علمياً، لكن الصواب أن يتكلم عن المناهج أنفسها، فيقال: من يتساهل في الأحاديث ويعتبر أن مجرد جمع الطرق الضعيفة، أنه يكفي لجعل الحديث حسناً لغيره، ويعتمد عليه، فيمكن أن ينقد هذا المنهج كـ "منهج"، لكن لا نجعل هناك قضية القضايا هي: منهج المتقدمين ومنهج المتأخرين!!
إذن إطلاق العبارة بهذه الصورة خطأ، ولكن يمكن أن يتكلم عن الشخص، فالسيوطي إذا تناولته بالنقد أستطيع أن أقول: إن السيوطي متساهل، بل له منهج غير جيد، فحينما يرى حديثاً فيه ضعيف شديد – وهو الذي فيه رو متروك، وما إلى ذلك – يقول: يمكن أن يرتفع ضعفه بتعدد طرقه، وهذا منهج عند السيوطي، وقد صرح به في ألفيته وفي "التدريب".
نقول: هذا المنهج عند السيوطي منهج خطأ، فننقد منهج السيوطي نفسه.
ولو جئنا إلى ابن حجر، نقول: ابن حجر في كلامه على الرواة في "التقريب" جيد، وفي نقده للأحاديث في "فتح الباري" لا بأس به، ولكننا نجده في أجوبته عن "مشكاة المصابيح" في بعض الأماكن عنده شيء من التساهل.
¥