تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أقُولُ: أَمَّا مَا ذَكَرَ مِنْ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْخُطْبَةَ قَدْ كَتَبَهَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ بَعْدَ تَأْلِيفِ كِتَابِ «الْكَافِي» فَغَيْرُ بَعِيدٍ، بَلُ هُوَ مَقْطُوعٌ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ لِقَوْلِهِ: «وَوَسِعَنَا قَلِيلاً كِتَابُ الْحُجَّةِ». وَأَمَّا مَا ذَكَرَ مِنْ شَهَادَةِ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ بِصِحَّةِ جَمِيعِ رِوَايَاتِ كِتَابِهِ، وَأَنَّهَا مِنْ الآثَارِ الصَّحِيحَةِ عَنْ الصَّادِقِينَ عَلَيْهِمْ السَّلامُ، فَيَرُدُّهُ:

[أَوَّلاً]: إِنَّ السَّائِلَ إِنَّمَا سَأَلَ مُحَمَّدَ بْنَ يَعْقُوبَ تَأْلِيفَ كِتَابٍ مُشْتَمِلٍ عَلَى الآثَارِ الصَّحِيحَةِ عَنْ الصَّادِقِينَ سَلامُ اللهِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِ أَنْ لا يَذْكُرَ فِيهِ غَيْرَ الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ، أَوْ مَا صَحَّ عَنْ غَيْرِ الصَّادِقِينَ عَلَيْهِمْ السَّلامُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قد أعطاه ما سأله، فَكَتَبَ كِتَابَاً مُشْتَمِلاَ عَلَى الآثَارِ الصَّحِيحَةِ عَنْ الصَّادِقِينَ عَلَيْهِمْ السَّلامُ فِي جَمِيعِ فُنُونِ عِلْمِ الدِّينِ، وإن اشتمل كتابه عَلَى غَيْرِ الآثَارِ الصَّحِيحَةِ عَنْهُمْ عَلَيْهِمْ السَّلامُ، أَوْ الصَّحِيحَةِ عَنْ غَيْرِهِمْ أيْضَاً اسْتِطَرَادَاً وَتَتْمِيمَاً لِلْفَائِدَةِ، إِذْ لَعَلَّ النَّاظِرَ يَسْتَنْبِطُ صِحَّةَ رِوَايَةٍ لَمْ تَصِحَّ عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ، أَوْ لَمْ تَثْبُتْ صِحَّتُهَا.

وَيَشْهَدُ عَلَى مَا ذَكَرَنَاهُ: أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ يَعْقُوبَ رَوَى كثَيِرَاً فِي «الْكَافِي» عَنْ غَيْرِ الْمَعْصُومِينَ أَيْضَاً، وَلا بَأْسَ أَنْ نَذْكُرَ بِعْضَهَا (**):

1 - مَا رَوَاهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ: الأَشْيَاءُ كُلُّهَا لا تُدْرَكُ إِلا بِأَمْرَيْنِ: بِالْحَوَاسِّ وَالْقَلْبِ، وَالْحَوَاسُّ إِدْرَاكُهَا عَلَى ثَلاثَةِ مَعَانٍ: إِدْرَاكاً بِالْمُدَاخَلَةِ، وَإِدْرَاكاً بِالْمُمَاسَّةِ، وَإِدْرَاكاً بِلا مُدَاخَلَةٍ وَلا مُمَاسَّةٍ، فَأَمَّا الادْرَاكُ الَّذِي بِالْمُدَاخَلَةِ فَالأصْوَاتُ وَالْمَشَامُّ وَالطُّعُومُ، وَأَمَّا الادْرَاكُ بِالْمُمَاسَّةِ فَمَعْرِفَةُ الاشْكَالِ مِنَ التَّرْبِيعِ وَالتَّثْلِيثِ وَمَعْرِفَةُ اللَّيِّنِ وَالْخَشِنِ وَالْحَرِّ وَالْبَرْدِ، وَأَمَّا الادْرَاكُ بِلا مُمَاسَّةٍ وَلا مُدَاخَلَةٍ فَالْبَصَرُ فَإِنَّهُ يُدْرِكُ الاشْيَاءَ بِلا مُمَاسَّةٍ وَلا مُدَاخَلَةٍ فِي حَيِّزِ غَيْرِهِ وَلا فِي حَيِّزِهِ، وَإِدْرَاكُ الْبَصَرِ لَهُ سَبِيلٌ وَسَبَبٌ، فَسَبِيلُهُ الْهَوَاءُ، وَسَبَبُهُ الضِّيَاءُ، فَإِذَا كَانَ السَّبِيلُ مُتَّصِلاً بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَرْئِيِّ وَالسَّبَبُ قَائِمٌ أَدْرَكَ مَا يُلاقِي مِنَ الألْوَانِ وَالأشْخَاصِ، فَإِذَا حُمِلَ الْبَصَرُ عَلَى مَا لا سَبِيلَ لَهُ فِيهِ رَجَعَ رَاجِعاً فَحَكَى مَا وَرَاءَهُ، كَالنَّاظِرِ فِي الْمِرْآةِ لا يَنْفُذُ بَصَرُهُ فِي الْمِرْآةِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ سَبِيلٌ رَجَعَ رَاجِعاً يَحْكِي مَا وَرَاءَهُ، وَكَذَلِكَ النَّاظِرُ فِي الْمَاءِ الصَّافِي يَرْجِعُ رَاجِعاً فَيَحْكِي مَا وَرَاءَهُ، إِذْ لا سَبِيلَ لَهُ فِي إِنْفَاذِ بَصَرِهِ، فَأَمَّا الْقَلْبُ فَإِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الْهَوَاءِ، فَهُوَ يُدْرِكُ جَمِيعَ مَا فِي الْهَوَاءِ وَيَتَوَهَّمُهُ، فَإِذَا حُمِلَ الْقَلْبُ عَلَى مَا لَيْسَ فِي الْهَوَاءِ مَوْجُوداً رَجَعَ رَاجِعاً فَحَكَى مَا فِي الْهَوَاءِ، فَلا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يَحْمِلَ قَلْبَهُ عَلَى مَا لَيْسَ مَوْجُوداً فِي الْهَوَاءِ مِنْ أَمْرِ التَّوْحِيدِ جَلَّ الله وَعَزَّ، فَإِنَّهُ إِنْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَتَوَهَّمْ إِلا مَا فِي الْهَوَاءِ مَوْجُودٌ كَمَا قُلْنَا فِي أَمْرِ الْبَصَرِ، تَعَالَى الله أَنْ يُشْبِهَهُ خَلْقُهُ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير