((ولا يخفى على المتخصصين في الحديث أنّ الحاكم من كبار أئمة الحديث في زمانه وكانت الرحلة إليه، ولكن مما يعجب منه الباحث كثرة الأوهام في مستدرك الحاكم، ويقوى العجب عند الموازنة بين المستدرك من جهة وبين بقية كتبه-كمعرفة علوم الحديث، والمدخل إلى معرفة الصحيح، والمدخل إلى معرفة الإكليل، وتاريخ نيسابور، وسؤالات السجزي له، وسؤالاته للدارقطني-، فهذه الكتب فيها من الدقة والتحرير ما يشهد بإمامة الحاكم وعلو كعبه، وعند النظر في المستدرك يجد الباحث أوهاماً شنيعة كتصحيح أسانيد على شرط الشيخين وفيها كذبة -وبعضهم وصفه الحاكم نفسه في كتبه الأخرى بالكذب-، واستدراك أحاديث على الشيخين أو أحدهما وهو مخرج بنفس الإسناد عندهما-أوصلها بعض الباحثين إلى مائتين- مما جعل ابن حجر يقول في تعقبها أحياناً: ((وَقَالَ-أي الحاكم-: صحيح على شرطهما، قلتُ: هذه مجازفةٌ قبيحةٌ، فإنَّ عمرو بن الحصين كذبوه)) إتحاف المهرة (7/ 189).
ويقول في موضع آخر: ((وَقَالَ: صحيح الإسناد، كذا قَالَ! فزل زلة عظيمة، فإنّ خالد بن عمرو كذبوه)) اتحاف المهرة (6/ 117).
ويقول: ((حديث: من أصبح وهمه غير الله فليس من الله في شيء .. الحديث، الحاكم في الرقاق قَالَ: حَدّثنا عبد الباقي بن قانع الحافظ ببغداد قَالَ: حَدّثنا عبد الله بن أحمد بن الحسن المروزي قَالَ: حَدّثنا إسحاق بن بشر قَالَ: حَدّثنا مقاتل بن سليمان عن حماد عن إبراهيم عنه به، قلتُ: لم يتكلم عليه، وإسحاق ومقاتل متروكان، وما كنتُ أظن أن تبلغ به المجازفة فيه في الاستدراك على الصحيحين حتى يخرج عن مثل مقاتل)) إتحاف المهرة (10/ 338).
ولولا خشية الإطالة لذكرت عشرات بل مئات الأمثلة على ذلك- ومجرد جرد كتاب "إتحاف المهرة " لابن حجر كاف في بيان ذلك-.
وأحسن الأجوبة وأرجحها أنَّ الحاكم ألْف المستدرك في آخر عمره، وكان يتكل على حفظه، وقد حصل عنده نوعٌ من التغير، قَالَ ابن حجر: ((أظنه في حال تصنيف المستدرك كان يتكل على حفظه، فلأجل هذا كثرت أوهامه)) إتحاف المهرة (1/ 510).
فيحصر تساهل الحاكم في المستدرك فقط- على أنّ في المستدرك من الجرح والتعديل، وعلوم الحديث، والنقول عن أئمة الحديث، والفوائد الفقهية والعقدية ما يستحق أن يفرد في مجلد ضخم-، قَالَ المعلمي: ((هذا وذكرهم للحاكم بالتساهل إنما يخصونه بالمستدرك فكتبه في الجرح والتعديل لم يغمزه أحد بشيء مما فيها فيما أعلم)) التنكيل (1/ 561).
و قَالَ ابن حجر: ((والحاكم أجل قدراً وأعظم خطراً وأكبر ذكرا من أن يذكر في الضعفاء، لكن قيل في الاعتذار عنه أنه عند تصنيفه للمستدرك كان في أواخر عمره، وذكر بعضهم أنه حصل له تغير وغفلة في آخر عمره، ويدل على ذلك أنه ذكر جماعة في كتاب الضعفاء له وقطع بترك الرواية عنهم ومنع من الاحتجاج بهم، ثم أخرج أحاديث بعضهم في مستدركه وصححها من ذلك أنه أخرج حديثا لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وكان قد ذكره في الضعفاء فَقَالَ: إنه روى عن أبيه أحاديث موضوعة لا تخفى على من تأملها من أهل الصنعة أنَّ الحملَ فيها عليه، وَقَالَ في آخر الكتاب: فهؤلاء الذين ذكرتهم في هذا الكتاب ثبت عندي صدقهم لأنني لا استحل الجرح إلا مبينا ولا أجيزه تقليدا والذي اختار لطالب العلم أن لا يكتب حديث هؤلاء أصلا)) لسان الميزان (5/ 232).
و لابن حجر كلامٌ حسنٌ عن المستدرك وتقسيم دقيق لأحاديث المستدرك قاله تعليقاً على قول ابن الصلاح: ((وهو واسع الخطو في شرط الصحيح متساهل في القضاء به فالأولى أن نتوسط في أمره ... )) يراجع: النكت على كتاب ابن الصلاح (1/ 312 - 319).
وانظر لمزيد الفائدة: مجموع الفتاوى (1/ 253 - 255)، التنكيل (1/ 561) -وفيه كلام مطول عن الحاكم ومستدركه-.
وإنما أطلتُ الكلام على الحاكم لأني رأيت عدداً من طلبة العلم لا يعرف عن الحاكم إلاّ أنه متساهل، من دون تحقيق في نوع التساهل، وهل هو عام في جميع كتبه أو في كتاب واحد فقط، وهل التساهل في الكتاب كله أو في بعضه ... الخ، وعدمُ معرفة هذه الأمور ربما يفوت على طالب العلم القيمة العلمية لكتب الحاكم الأخرى، والله أعلم.))
محبكم
أبوصالح
11/ 1/1428هـ
ـ[عبدالرزاق العنزي]ــــــــ[28 - 03 - 08, 05:36 م]ـ
السلام عليكم
احسن الله اليك يا شيخ عبدالرحمن على هذا البحث المفيد
شيخنا الكريم
الحاكم قد نص على ان كل حديث ليس في الصحيحين فعلى المحدث ان يبحث عن علته
وفى قصته مع الخليلي صاحب الارشاد وكانت فى اواخر عمر الحاكم ما يرد على تغيره لكبر سنه.
اما كون المستدرك مسودة لم يلحق الحاكم ان ينقحه فضعيف جدا افلا يعرف الحاكم حال اولئك الرواة المتروكين حال ايراده لاحاديثهم؟
هذا وقد نص الصنعاني فى توضيح الافكار وان كان على استحياء على ما يؤيده الذي فى خطبة المستدرك من انه صحح الاحاديث على طريقة الفقهاء واخيرا يضاف الى ذلك تصريحهم بالاقتصار على انتقاده فقط فى المستدرك.
شيخي الكريم ومع كل ما سبق لا ادري سببا لكل تلك التهم والانتقادات للحاكم رحمه الله والتغاضي عن صريح قول الرجل والذي فيه الجواب الفصل والاعتذار لحافظ من حفاظ الامة
شيخي الكريم ما ارى السبب في ذلك الا غفلة السابقين عن خطبة المستدرك وتقليد من اتى بعدهم لهم والله اعلم
وبارك الله تعالى بكم وحفظكم
¥