لا أظن أن هذا الفهم سليم لأنا إذا قلنا:ليس للمرأة أن تبدي وجهها، هل يفهم أحد ممن يفهم كلام العرب أن هذا يعني أن لها أن تبدي صدرها أو فخذها أو ظهرها
قلت: لم أجد في كلام العرب مانعا من هذا. والقاعدة أن الكلام لا يصرف عن الظاهر إلى المجاز إلا بدليل. فإن كان المدعي هذه الدعوة لديه الدليل. فليأتنا به.
وأما لو وجهنا تفسيره للاستثناء سيصبح معناه النهي عن إبداء ما عدا الوجه والكفين. وهذا هو المنطقي والمعقول.
وقلنا مرة أخرى أن تفصيل النهي لا فائدة منه. لأنه عام. معنى هذا أن الحق تعالى قال (ولا يبدين زينتهن) وهذا نهي عام. ثم قال (إلا ما ظهر منها). وهذا استثناء من هذا النهي. والمتبادر إلى الذهن أن المفسر سيفسر المستثنى لأنه تخصيص من عموم. فما فائدة أن أفسر العام وأترك الخاص.
وقلنا مرة أخرى أن ما جاءنا من نقول عن كافة الأئمة والمفسرين (عدا الإمام ابن كثير) تجزم بأن ابن عباس فسر الزينة الظاهرة. وليس النهي. أما الإمام ابن كثير فقال أن هذا احتمال. وكلام ابن كثير في معنى القول الشاذ نقلناه سابقا. فعلى المعارض لكافة هؤلاء العلماء أن يأتينا بالدليل.
إلى جانب ما يعضده من رواية علي بن أبي طلحة السابق الحديث عنها.
هذه الرواية نفسها قد جاء منها ما يوضح جيدا أن ابن عباس قد فسر الزينة الظاهرة، وخصها أيضا بما تبديه المرأة أمام الأجانب عنها. وانظر إلى ما رواه البيهقي
(في قوله جل ثناؤه {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} والزينة الظاهرة الوجه وكحل العين وخضاب الكف والخاتم فهذا تظهره في بيتها لمن دخل عليها ثم قال ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال والزينة التي تبديها لهؤلاء الناس قرطاها وقلادتها وسواراها فأما خلخالها ومعضدتها ونحرها وشعرها فلا تبديه إلا لزوجها)
تعال معي نناقش الأثر السابق جيدا. وهو من نفس الطريق الذي تحتج أنت به.
الزينة الظاهرة (الوجه وكحل العين وخضاب الكف والخاتم) هذا تصريح بتفسير الزينة الظاهرة. وتبديه في بيتها لمن دخل من الناس عليها. (معنى الناس هنا يوضحه باقي الأثر)
ثم قال (ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال)
هؤلاء هم محارم المرأة. وانظر الزينة التي تبدو أمامهم
(والزينة التي تبديها لهؤلاء الناس قرطاها وقلادتها وسواراها)
وهذه زينة أخرى تبدو أمام المحارم غير الزينة الأولى. وهذا يؤكد أن الزينة الأولى راجعة للأجانب. وليس للمحارم.
أما قولك
(لكن هذا الأثر يبين أن تكشف ذلك في بيتها)
قلت: لم أجدا عالما من علماء المسلمين على مر أربعة عشر قرنا. قال أن العورة يجوز كشفها في البيت ويحرم كشفها خارجه. ولا أظن أن ابن عباس كان سيبيح كشف المرأة عورتها أمام من لا يحل لهم رؤيتها سواء داخل البيت أو خارجه.
(وليس في الخروج إلى الشوارع لأن من يدخل عليها في بيتها مأمون بعكس الشوارع التي يكون فيها الصالح والفاسد)
قلت: من قال أن من يدخل البيت مأمون. هذا ليس شرطا. وفي حديث سيدنا عمر (يدخل عليك البر والفاجر). وبالعكس فمن يدخل البيت تكون لديه الفرصة أكثر للتأمل في محاسن المرأة. ويكون الاطمئنان إليه أكثر. ومثل هذا ينبغي الاحتراز منه أكثر. وليس كشف العورة أمامه، وفي الحديث (الحمو الموت). وهو من أقرب الناس للمرأة. وممن يدخلون عليها بيتها بمنتهى السهولة ومع ذلك فقد شدد الرسول في التحذير منه. وليس العكس.
فهذا الأثر الذي تقول أنه يعضد قولك حجة عليك. وليس لك، وربما يكون ابن عباس قد ذكر البيوت في هذا الأثر (على فرض صحته) لأن المرأة كانت في ذاك العهد لا تخرج من بيتها إلا لماما. وغالب لقائها بالأجانب عنها كان يتم في بيتها.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ـ[شرف الدين]ــــــــ[29 - 03 - 06, 12:41 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
(استطراد)
القول بأن ابن عباس فسر النهي سينتج عنه إشكال آخر خاص بالاستثناء أيضا، وليس النهي فقط
فلو أننا وجهنا التفسير للنهي. سيكون المعنى
(ولا يبدين زينة الوجه والكفين إلا ما ظهر منها)
أي أن المعفو عنه (ما ظهر منها) سيكون عائدا على الوجه والكفين فقط.
وقوله (إلا ما ظهر منها) إما أنه يعود لفعل يصدر من المرأة بإرادتها (وهو الصحيح إن شاء الله)، أو أنه فعل خارج عن إرادتها (كما يقول البعض). وليس لها احتمال ثالث.
فإذا كان الفعل عائدا للمرأة، فالتفسير في هذه الحال سيصبح غير ذي معنى. إذ أنه لا معنى في أن أقول للمرأة أنك منهية عن إبداء الوجه والكفين، وأنه يباح لك إبداء الوجه والكفين. إذا فهذا الوجه مطروح.
وأما إذا كان الفعل غير عائد للمرأة أي خارجا عن إرادتها. ففي هذه الحال سيكون المعفو عنه ما ظهر من زينة الوجه والكف فقط بغير إرادة المرأة. بمعنى أن المرأة لو ظهر منها ساقها مثلا بغير إرادتها. ستصبح مؤاخذة على هذا. في حين أن النص والإجماع على أنه إذا ظهر منها أي جزء من بدنها (مما يحرم عليها إبداؤه) بدون إرادتها فهي غير مؤاخذة فيه. وعليه فهذا الوجه مطروح أيضا.
أي أن الإشكال سيزيد واللامعقول سيصبح أكبر.
وكل هذا الإشكال سيختفي إذا وجه التفسير للاستثناء. ففي تفسير الاستثناء تفسير للنهي والاستثناء معا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
¥