العزيز: هو الحديث الذي يرويه اثنان، و لو في طبقة من طبقات السند، بشرط: أن لا يقل في أي طبقة من الطبقات عن اثنين، و يمكن أن يزيد.
و ليس المقصود هو أن يرويه اثنان عن اثنين عن اثنين إلى منتهى السند، فإن هذا كما قال ابن حبان: " لا يوجد حديث بمثل هذه الصفة ".
و سمي العزيزُ عزيزاً لأحد أمرين:
1 – إما لقلته و ندرته، و هذا ليس بصحيح، بل هو كثير.
2 – و إما لكونه عزَّ، أي: تقوى و تأيد، بمجيئه من طريق أخرى، كما قال تعالى: " فعززنا بثالث " أي: أيَّدنا الاثنين بالثالث.
قوله: " عزيز مروي اثنين أو ثلاثه "، لعله يقصد بذلك أنه إذا وُجد في بعض الطبقات اثنان، فلا بأس أن يوجد في طبقة أخرى أكثر من اثنين، كثلاثة مثلا، و هذا كما تقدم.
أما إذا كان يقصد أن رواية الثلاثة، يُسمى حديثهم عزيزا، فقد قال الشيخ سعد الحميد: " لا أعلم أحدا من أهل الحديث قال به ".
و الظاهر أنه يقصد المعنى الثاني، لأنه قال بعدها:
" مشهور مروي فوقما ثلاثه "، المشهور: هو ما رواه ثلاثة فأكثر ما يبلغ حد التواتر، و ظاهر كلام المصنف ليس بصحيح، لأنه يعتبر أن رواية الثلاثة: عزيزا، و ليس كذلك، بل يُسمى: مشهورا.
و سمي المشهورُ مشهوراً: لأن رواية الثلاثة فأكثر، جعلت الحديث يشتهر عند أهل العلم.
و المشهور ينقسم إلى قسمين:
1 – مشهور اصطلاحي، و هو الذي سبق ذكره.
2 – و مشهور غير اصطلاحي، و هذا لا علاقة له بالكثرة، بل المقصود به: ما اشتهر على ألسنة الناس.
و الذي يشتهر على ألسنة الناس، قد يكون لا أصل له، و قد يكون حديثا، لكنه غريب، و قد يكون عزيزا، و قد يكون متواترا.
و هذه الشهرة:
1 – إما أن تكون عند عامة الناس، كحديث: " المسلم من سلم المسلمون من لسانه و يده ".
2 – و إما مشتهر عند أهل العلم، فالفقهاء اشتهرت بينهم بعض الأحاديث، كحديث: " أبغض الحلال إلى الله الطلاق "، و الأصوليون اشتهرت بينهم بعض الأحاديث، كحديث: " عفي عن أمتي الخطأ و النسيان و ما استكرهوا عليه "، و أهل الحديث اشتهرت بينهم بعض الأحاديث، كحديث: " قنت النبي صلى الله عليه و سلم شهرا، يدعو على رعل و ذكوان و عصية "، و أهل اللغة اشتهرت بينهم بعض الأحاديث، كحديث: " يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل و ملائكة بالنهار "، و هكذا.
و هذا كله، لا علاقة له بالإسناد، فقد يكون صحيحا، و قد يكون حسنا، و قد يكون ضعيفا، و قد يكون موضوعا، و قد يكون لا أصل له.
13 - معنعن كعن سعيد عن كرم و مبهم ما فيه راو لم يُسم
المعنعن: هو الذي تتكرر فيه " عن ".
و " عن " عندهم، ليست صريحة في السماع، فإن صدرت عن راو لم يُعرف بالتدليس، و ثبت لقاء الراوي من ذلك الشيخ، فالحديث: متصل، و إن صدرت من راو لم يلق ذلك الشيخ، فالإسناد: منقطع، و إن صدرت من راو معروف بالتدليس فالإسناد ضعيف، و الحكم الأخير، إنما هو لأجل مناسبة هذا المختصر، و إلا فإن في هذه المسألة تفصيلا.
المبهم: هو الراوي الذي لم يُسمَّ.
كأن يقول الراوي مثلا: حدثنا سفيان بن عيينة، عن شيخ، عن محمد بن إبراهيم التيمي.
فهذا: الشيخ، هنا لم يُسمَّ، فهو: مبهم.
و مثله كذلك: " حُدِّثْتُ عن إبراهيم التيمي " فالمحدِّث لا يُدرى من هو؟.
و هذا بخلاف الراوي المهمل، فإنه: الراوي الذي سمي، و لكنه لم يُنسب، كأن يقول: حدثني محمد، و لا ينسبه.
14 - و كل ما قلت رجاله علا و ضده ذاك الذي قد نزلا
تكلم هنا عن: الإسناد العالي، و الإسناد النازل.
و المقصود بالإسناد العالي: هو الإسناد الذي قلَّ عدد رجاله، فيما بين الراوي و النبي صلى الله عليه و سلم، أو بين الراوي و بين إمام ذي صفة علية.
العلو إلى النبي صلى الله عليه و سلم: فهذا علو مطلق.
و العلو إلى إمام ذي صفة علية: علو نسبي.
و المراد بالإمام ذي الصفة العلية: كأن يكون إماما مشهورا، تلتقي فيه الأسانيد (مخرج الحديث)، كقتادة مثلا، و لو كان الإسناد بين قتادة و النبي صلى الله عليه و سلم نازلا، فهو علة بالنسبة إلى قتادة، لا بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه و سلم.
و قد يكون العلو إلى صاحب الكتاب، كصحيح البخاري مثلا.
لماذا اهتم العلماء بالإسناد العالي؟
¥