عن محمد التيمي رحمه الله قال:
(كان يقال: إن ضمة القبر إنما أصلها أنها أُمُّهُم، ومنها خُلقوا، فغابوا عنها الغيبة الطويلة، فلما رد إليها أولادها ضمتهم ضم الوالدة الشفيقة التي غاب عنها ولدها ثم قدم عليها، فمن كان لله مطيعاً ضمته برفق ورأفة، ومن كان لله عاصياً ضمته بعنف سخطاً منها عليه).
ذكره السيوطي في حاشيته على " سنن النسائي " (3/ 292) من رواية ابن أبي الدنيا، وذكره في " بشرى الكئيب بلقاء الحبيب " (ص/5) تحت باب: " ذكر تخفيف ضمة القبر على المؤمن ".
وقد روي في هذا المعنى حديث مرفوع عن عائشة رضي الله عنها قالت:
(يا رسول الله! إنك منذ يوم حدثتني بصوت منكر ونكير وضغطة القبر ليس ينفعني شيء. قال: يا عائشة! إن أصوات منكر ونكير في أسماع المؤمنين كالإثمد في العين، وإن ضغطة القبر على المؤمن كالأم الشفيقة يشكو إليها ابنها الصداع فتغمز رأسه غمزا رفيقا، ولكن يا عائشة ويل للشاكين في الله كيف يُضغطون في قبورهم كضغطة البيضة على الصخرة)
رواه البيهقي في " إثبات عذاب القبر " (ص/85، رقم/116)، والديلمي في " مسند الفردوس " (رقم/3776)، وفي سنده الحسن بن أبي جعفر وعلي بن زيد بن جدعان ضعيفان. فهو حديث ضعيف. وقد عزاه بعضهم لابن منده وابن النجار ولم أقف عليه.
قال الحافظ الذهبي رحمه الله:
" هذه الضمة ليست من عذاب القبر في شيء، بل هو أمر يجده المؤمن كما يجد ألم فقد ولده وحميمه في الدنيا، وكما يجد من ألم مرضه، وألم خروج نفسه، وألم سؤاله في قبره وامتحانه، وألم تأثره ببكاء أهله عليه، وألم قيامه من قبره، وألم الموقف وهوله، وألم الورود على النار، ونحو ذلك. فهذه الأراجيف كلها قد تنال العبد، وما هي من عذاب القبر، ولا من عذاب جهنم قط، ولكن العبد التقي يرفق الله به في بعض ذلك أو كله، ولا راحة للمؤمن دون لقاء ربه. قال الله تعالى: (وأنذرهم يوم الحسرة)، وقال: (وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر) فنسأل الله تعالى العفو واللطف الخفي. ومع هذه الهزات، فَسَعْدٌ – يعني ابن معاذ - ممن نعلم أنه من أهل الجنة، وأنه من أرفع الشهداء رضي الله عنه. كأنك يا هذا تظن أن الفائز لا يناله هول في الدارين، ولا روع ولا ألم ولا خوف؟! سل ربك العافية، وأن يحشرنا في زمرة سعد " انتهى.
" سير أعلام النبلاء " (1/ 290 - 292)
وقال الشيخ النفراوي المالكي:
" وأما ضمَّةُ القبر فلا بد منها، وإن كانت تختلف باختلاف الدرجات " انتهى.
" الفواكه الدواني " (2/ 688)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" هذا الحديث – يعني حديث (لقد ضم القبر سعدا ضمة .. ) - مشهور عند العلماء، وعلى تقدير صحته: فإن ضمة الأرض للمؤمن ضمة رحمة وشفقة، كالأم تضم ولدها إلى صدرها، أما ضمتها للكافر فهي ضمة عذاب والعياذ بالله، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الإنسان إذا دفن أتاه ملكان يسألانه عن ثلاثة أصول: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فالمؤمن يقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد، أسأل الله أن يجعل جوابي وجوابكم هذا، أما المنافق أو المرتد - أعاذنا الله وإياكم من هذا – فيقول: هاه هاه لا أدري، سمعت الناس يقولون قولاً فقلته، فيضيق عليه القبر حتى تختلف أضلاعه والعياذ بالله، يدخل بعضه في بعض من شدة الضم، ففرق بين ضم الأرض للكافر أو المرتد وضمها للمؤمن." انتهى باختصار.
" لقاءات الباب المفتوح " (لقاء رقم/161، سؤال رقم/17).
والذي يظهر والله أعلم أن القول الأول أرجح القولين في هذه المسألة، لدلالة ظاهر السنة عليه، وأن أحدا من المؤمنين، فضلا عن غيرهم، لا ينجو من ضمة القبر؛ وهذا يدل على شدة هذه الضمة، وأن لها ألما يصيب من ضمه قبره، وإن كان الناس يتفاوتون في ذلك، كل بحسب عمله وحاله. ولأجل ذلك ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ضمة القبر في أسباب مغفرة الذنوب، قال: " السبب الثامن ما يحصل فى القبر من الفتنة والضغطة والروعة فإن هذا مما يكفر به الخطايا". انتهى. مجموع الفتاوى (7/ 500).
على أن الحديث الوارد في السؤال لا يدل على أن سعدا هو الوحيد الذي نجا من ضمة القبر، كما ظنه السائل، بل هو نص في أن سعدا رضي الله عنه لم ينج من ضمة القبر؛ وقد كان أولى الناس أن ينجو منها، لو كان أحد ناجيا.
وانظر جواب السؤال رقم: (71175)
والله أعلم.
الإسلام سؤال وجواب
ـ[محمد بن عبدالله الشنو]ــــــــ[30 - 05 - 10, 04:54 م]ـ
عرض للمسألة موفق ونقل جيد
لاحرمكم الله أجر العلم