تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الوجه الثالث، قوله إن قدمنا النقل كان ذلك طعنا في أصله الذي هو العقل فيكون طعنا فيه غير مسلم، وذلك لأن قوله إن العقل أصل للنقل إما أن يريد به، أنه أصل في ثبوته في نفس الأمر، أو أصل في علمنا بصحته، والأول لا يقوله عاقل فإن ما هو ثابت في نفس الأمر بالسمع وبغيره هو ثابت سواء علمنا بالعقل أو بغير العقل ثبوته أو لم نعلم ثبوته لا بعقل ولا بغيره إذ عدم العلم ليس علما بالعدم وعدم علمنا بالحقائق لا ينفي ثبوتها في أنفسها

فما أخبر به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم هو ثابت في نفس الأمر سواء علمنا صدقه أو لم نعلمه ومن أرسله الله تعالى إلى الناس فهو رسوله سواء علم الناس أنه رسول أو لم يعلموا وما أخبر به فهو حق وإن لم يصدقه الناس وما أمر به عن الله فالله أمر به وإن لم يطعه الناس فثبوت الرسالة في نفسها وثبوت صدق الرسول وثبوت ما أخبر به في نفس الأمر ليس موقوفا على وجودنا فضلا على أن يكون موقوفا على عقولنا أو على الأدلة التي نعلمها بعقولنا وهذا كما أن وجود الرب تعالى وما يستحقه من الأسماء والصفات ثابت في نفس الأمر سواء علمناه أو لم نعلمه، فتبين بذلك أن العقل ليس أصلا لثبوت الشرع في نفسه ولا معطيا له صفة لم تكن له ولا مفيدا له صفة كمال إذ العلم مطابق للمعلوم المستغني عن العلم تابع له ليس مؤثرا فيه، فإن العلم نوعان أحدهما العملي وهو ما كان شرطا في حصول المعلوم كتصور أحدنا لما يريد أن يفعله فالمعلوم هنا متوقف على العلم به محتاج إليه، والثاني العلم الخبري النظري وهو ما كان المعلوم غير مفتقر في وجوده إلى العلم به كعلمنا بوحدانية الله تعالى وأسمائه وصفاته وصدق رسله وبملائكته وكتبه وغير ذلك فإن هذه المعلومات ثابتة سواء علمناها أو لم نعلمها فهي مستغنية عن علمنا بها والشرع مع العقل هو من هذا الباب فإن الشرع المنزل

من عند الله ثابت في نفسه سواء علمناه بعقولنا أو لم نعلمه فهو مستغن في نفسه عن علمنا وعقلنا ولكن نحن محتاجون إليه وإلى أن نعلمه بعقولنا فإن العقل إذا علم ما هو عليه الشرع في نفسه صار عالما به وبما تضمنه من الأمور التي يحتاج إليها في دنياه وآخرته وانتفع بعلمه به وأعطاه ذلك صفة لم تكن له من قبل ذلك ولو لم يعلمه لكان جاهلا ناقصا، وأما إن أراد أن العقل أصل في معرفتنا بالسمع ودليل لنا على صحته وهذا هو الذي أراده فيقال له أتعني بالعقل هنا الغريزة التي فينا أم العلوم التي استفدناها بتلك الغريزة، أما الأول فلم ترده ويمتنع أن تريده لأن تلك الغريزة ليست علما يتصور أن يعارض النقل وهي شرط في كل علم عقلي أو سمعي كالحياة وما كان شرطا في الشىء امتنع أن يكون منافيا له فالحياة والغريزة شرط فى كل العلوم سمعيها وعقليها فامتنع ان تكون منافية لها وهي أيضا شرط في الاعتقاد الحاصل بالاستدلال وإن لم تكن علما فيمتنع أن تكون منافية له معارضة له، وإن أردت بالعقل الذي هو دليل السمع وأصله المعرفة الحاصلة بالعقل فيقال له من المعلوم أنه ليس كل ما يعرف بالعقل يكون أصلا لسمع ودليلا على صحته فإن المعارف العقلية أكثر من أن تحصر والعلم بصحة السمع غايته أن يتوقف على ما به يعلم صدق الرسول صلى الله عليه وسلم، وليس كل العلوم العقلية يعلم بها صدق الرسول صلى الله عليه وسلم بل ذلك يعلم بما يعلم به أن الله تعالى أرسله مثل إثبات الصانع وتصديقه للرسول بالآيات وأمثال ذلك

وإذا كان كذلك لم تكن جميع المعقولات أصلا للنقل لا بمعنى توقف العلم بالسمع عليها ولا بمعنى الدلالة على صحته ولا بغير ذلك لا سيما عند كثير من متكلمة الإثبات أو أكثرهم كالاشعري في أحد قوليه وكثير من أصحابه أو أكثرهم كالاستاذ أبي المعالي الجويني ومن بعده ومن وافقهم الذين يقولون العلم بصدق الرسول عند ظهور المعجزات التي تجري مجرى تصديق الرسول علم ضروري فحينئذ ما يتوقف عليه العلم بصدق الرسول من العلم العقلي سهل يسير مع أن العلم بصدق الرسول له طرق كثيرة متنوعة كما قد بسط الكلام عليه في غير هذا الموضع، وحينئذ فإذا كان المعارض للسمع من المعقولات ما لا يتوقف العلم بصحة السمع عليه لم يكن القدح فيه قدحا في أصل السمع وهذا بين واضح وليس القدح في بعض العقليات قدحا في جميعها كما أنه ليس القدح في بعض السمعيات قدحا في جميعها ولا يلزم

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير