درء الشكّ عمّا أَشْكَلَ مِن حديث الإفك - الشيخ سليم الهلالي
ـ[أبو رجائي بن البشير]ــــــــ[08 - 03 - 06, 10:40 ص]ـ
فهذه تعليقات حديثية أوضحتُ فيها المشكلَ مِن حديث الإفك –وَمَتْنُهُ طويلٌ جدًّا-، وقد بينّت وجه الحق في هذه الروايات التي قد يُتَوَهّم في بعض ظاهرها الوهم والخطأ والتناقض.
فمِن ذلك:
1) قول الزهري: «ووعيت عن كل رجل منهم الحديث الذي حدثني عن عائشة»:
قال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» (8/ 457): «ليس المراد أن عائشة تروي عن نفسها؛ بل معنى قوله: «عن عائشة»؛ أي: عن حديث عائشة في قصة الإفك».
2) وقوله: «وبعض حديثهم يصدّق بعضاً»:
قال الحافظ في «الفتح» (8/ 457): «كأنه مقلوب، والمقام يقتضي أن يقول: وحديث بعضهم يصدق بعضاً، ويحتمل أن يكون على ظاهره، والمراد: أن بعض حديث كل منهم يدل على صدق الراوي في بقية حديثه؛ لحسن سياقه، وجودة حفظه».
وقال القاضي عياض في «إكمال المعلم» (8/ 286): «وقول ابن شهاب: (وذكره)؛ مما انتُقد قديماً على الزهري لجمعه الحديث عنهم، وإنما عند كل واحد منهم بعضه، وقيل: كان الأَوْلى أن يذكر حديث كل واحد منهم بجهته، ولا دَرْكَ على الزهري في شيء منه؛ لأنه قد بين ذلك في حديثه، والكل ثقات أئمة لا مطعن فيهم، فقد علم صحة الحديث، ووثق كل لفظة منه؛ إذ هي عن أحدها ولا الأربعة الأقطاب عن عائشة».
قلت: وانظر «طرح التثريب» (8/ 47).
3) وقوله: «وإن كان بعضهم أوعى له من بعض»:
قال الحافظ: «هو إشارة إلى أن بعض هؤلاء الأربعة أميز في سياق الحديث من بعض؛ من جهة حفظ أكثره؛ لا أن بعضهم أضبط من بعض مطلقاً».
قلت: ولذلك قال - قبل-: «وبعضهم أوعى لحديثها- يعني: الحديث المذكور خاصة- من بعض وأثبت اقتصاصاً؛ أي: سياقاً، ووعيت عن كل رجل منهم الحديث الذي حدثني عن عائشة؛ أي: القدر الذي حدثني به، وكل قد حدثني بطائفة من حديثها».
قال الحافظ: «وحاصله: أن جميع الحديث عن مجموعهم؛ لا أن مجموعه عن كل واحدٍ منهم».
وقال -أيضاً- (8/ 479): «في هذا الحديث من الفوائد؛ جواز الحديث عن جماعة ملفقاً مجملاً».
وانظر- غير مأمور-: «شرح صحيح مسلم» للنووي (17/ 102).
4) قول عائشة –رضي الله عنها-: «وكان يراني قبل الحجاب»:
قال الحافظ (8/ 462 - 463): «أي: قبل نزول آية الحجاب، وهذا يدل على قدم إسلام صفوان؛ فإن الحجاب كان -في قول أبي عبيدة وطائفة-: في ذي القعدة سنة ثلاث، وعند آخرين فيها سنة أربع؛ وصححه الدمياطي، وقيل: بل كان فيها سنة خمس، وهذا مما تناقض فيه الواقدي؛ فإنه ذكر أن المريسيع كان في شعبان سنة خمس، وأن الخندق كانت في شوال منها، وأن الحجاب كان في ذي القعدة منها مع روايته حديث عائشة –هذا-؛ وتصريحها فيه بأن قصة الإفك التي وقعت في المريسيع كانت بعد الحجاب، وسلم من هذا ابن إسحاق؛ فإن المريسيع عنده في شعبان، لكن سنة ست ... ومما يؤيد صحة ما وقع في هذا الحديث -أن الحجاب كان قبل قصة الإفك-: قول عائشة- أيضاً- في هذا الحديث: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- سأل زينب بنت جحش عنها، وفيه: «وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم-»، وفيه: «وطفقت أختها حمنة تحارب لها»؛ فكل ذلك دال على أن زينب كانت حينئذ زوجته، ولا خلاف أن آية الحجاب نزلت حين دخوله -صلى الله عليه وسلم- بها؛ فثبت أن الحجاب كان قبل قصة الإفك.
وقد كنت أمليت في أوائل «كتاب الوضوء» [(1/ 249)]: أن قصة الإفك وقعت قبل نزول الحجاب؛ وهو سهو، والصواب: بعد نزول الحجاب؛ فليصلح هناك».
وقال شيخنا الإمام الألباني -رحمه الله- في «مختصر صحيح البخاري» (3/ 53): «تعني: قبل نزول آية الحجاب: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ}.
واعلم أن (الحجاب) في هذه الآية غير (الجلباب) في آية سورة النور؛ فالأول: والمرأة في بيتها تتستر بأي حاجز منفصل عنها؛ كالستارة المعلقة، أو الباب ونحوه، فهو كقوله –تعالى-: {فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَاباً} [مريم:17].
وأما الجلباب؛ فهو الثوب الذي تلتحف به المرأة إذا خرجت من دارها؛ فتنبه لهذا؛ فإن كثيراً ممن كتبوا في هذا الموضوع خلطوا بين (الحجاب) و (الجلباب)، وقد فرّقت عائشة بينهما كما ترى».
¥